قال تعالى:{أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[البقرة:٥] لماذا يكثر من الضمائر؟ لأن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى في المنافقين:{هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ}[المنافقون:٤] فأتى بالضمير (هم) وأتى بـ (العدو) معرفة، والجملة إذا ظرفت بمعرفتين -المبتدأ معرفة والخبر معرفة- أفادت الحصر، وقال هنا:{أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[البقرة:٥] فأعاد اسم الإشارة، وأعاد الضمير، وأعاد التعريف بأل.
والفلاح ذكر في القرآن على أقسام، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى:{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}[الأعراف:٢٠٤] وهذه الرحمة للإنصات، وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالى:{وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الحشر:٩] فذكرهم سُبحَانَهُ وَتَعَالى بالفلاح في عدة سور، وذكر سُبحَانَهُ وَتَعَالى الفلاح بعد الذكر وبعد الصبر والجهاد والنفقة.
والفلاح في اللغة يسمى السحور، ومعناه: السعود والنجاة، وبمعنى: الذهاب إلى الشيء، ومعناه هنا: أنهم سعداء في الدنيا والآخرة: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[البقرة:٥] أي: أفلحوا ونجحوا وأصلحوا ظاهراً وباطناً، وأمنيتنا ورجاؤنا وسؤالنا إلى الواحد الأحد، الذي لا تخيب عنده المسائل، ولا تعطل عنده الرسائل، ولا يسد حجابه، ولا تغلق أبوابه؛ أن يجعلنا من المفلحين، ومن المقيمين للصلاة، ومن الذين يؤمنون بالغيب ومما رزقهم الله ينفقون والحمد لله رب العالمين.