[دليل أبي الوليد الباجي على أن النبي كان يكتب]
أما الذي أثار أن النبي صلى الله عليه وسلم يكتب فهو أبو الوليد الباجي المالكي الأندلسي، وألف في ذلك كتاباً، وادعى أن الرسول صلى الله عليه وسلم كتب، والسبب في ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان في معركة الحديبية يفاوض كفار قريش، فلما أراد صلى الله عليه وسلم أن يفتح مكة، تمركز بجيشه العرمرم في الحديبية، فسمعت قريش أن الرسول صلى الله عليه وسلم يريد أن يفتح مكة غصباً، فحلفوا باللات والعزى لا يفتحها، فخرجوا بسيوفهم، وقالوا: قبل أن نخرج نرسل إليه رجلاً يفاوضه، فأرسلوا مكرز بن حفص، فلما أتاه قال صلى الله عليه وسلم: {رجل فاجر} فنزل فما تم الصلح، فأتى الحليس بن علقمة، فقال صلى الله عليه وسلم: {هذا رجل من أناس يعظمون النسك أو الهدي فابعثوا الهدي أمامه} فبعثوا الغنم التي يريد صلى الله عليه وسلم أن يهديها للبيت، فلما رآها ذاك قال: ما كان لهؤلاء أن يُصدون عن البيت وعاد.
فأرسلوا سهيل بن عمرو خطيب العرب، فوفد عند الرسول صلى الله عليه وسلم، فلما رآه صلى الله عليه وسلم، قال: {قد سهل لكم أمركم}.
وقبل أن يأتي سهيل أرسل الرسول صلى الله عليه مفوضاً، قال لـ عمر: يا عمر! قم واذهب إلى هؤلاء النفر ففاوضهم على الصلح، فقال عمر: يا رسول الله! تعلم أني من أعدى قريش إلى قريش، أي: أكره رجل في قريش إلى قريش.
ولذلك يقول أبو سفيان لما عاد إليه: وجدت محمداً صلى الله عليه وسلم قريباً، وأبا بكر وعلياً، وأما أعدى العدو فهو عمر، والله لو لم يجد إلا الذر ليقاتلكم به لقاتلكم بالذر.
فقال عمر: يا رسول الله: أنا ليس عندي أسرة تحميني -هو من بني عدي بن كعب- عشيرته تأتي في المرتبة الخامسة أو السادسة بعد بني هاشم، وبني أمية بن عبد شمس، وبعد بني مخزوم، وبني سهم، لكن أرسل عثمان يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: عليَّ بـ عثمان فأرسل عثمان.
فلما وصل عثمان أتاه أخوه أو قريب له، وقال: لا تذهب حتى نغديك، فأكرموه، فلما حبسوه، أتت الشائعة بين المسلمين قالوا: قتل عثمان، فانتفض صلى الله عليه وسلم وغضب، وجمع الناس، وبايعهم على الموت تحت الشجرة، فبايعوه صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح:١٨] إلا رجلاً واحداً من المنافقين خرج معهم من المدينة في ظاهره أنه مسلم، فلما أراد صلى الله عليه وسلم أن يبايعه، قال: أما أنا فوالله -يقول للمسلمين- لأن ألقى جملي الأحمر خيرٌ من أن أبايع محمداً، فقال صلى الله عليه وسلم: {كلكم مغفور له إلا صاحب الجمل الأحمر} واسمه الجد بن قيس، فذهبوا إليه، فقالوا: اذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر لك، فلوى رأسه، وقال: ألقى جملي قبل أن يستغفر لي، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ} [المنافقون:٥].
وأتى سهيل بن عمرو فقال صلى الله عليه وسلم: {قد سهل لكم أمركم} فنزل وجلس، وأخرج صلى الله عليه وسلم الصحابة يحضرون المفاوضة، بين الرسول صلى الله عليه وسلم وسهيل بن عمرو، فأخذ سهيل بن عمرو بلحية رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسها ويفاوضه، فقال المغيرة وكان مدججاً بالسلاح على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم: اترك يدك فوالله لأن مددتها لا تعود إليك أبداً.
فأخذ سهيل بن عمرو يتكلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال سهيل بن عمرو: اكتب بيننا وبينك كتاباً على الصلح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين علي بن أبي طالب؟ فأتى، فقال: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم، فقال سهيل: لا نعرف بسم الله الرحمن الرحيم، لا نعرف إلا رحمان اليمامة، اكتب باسمك اللهم، ورحمان اليمامة قيل: رئي من الجن.
وقلت لـ رحمان اليمامة عالجنْ مصابي فإني بالمصاب عليل
سمته العرب رحماناً، ليس مسيلمة؛ لأن مسيلمة ما أتى إلا متأخراً، فقال صلى الله عليه وسلم لـ علي: {اكتب باسمك اللهم} ثم قال صلى الله عليه وسلم لـ علي، {اكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله} فكتب، قال سهيل بن عمرو: لو علمنا أنك رسول الله ما قاتلناك، اكتب محمد بن عبد الله، قال صلى الله عليه وسلم: {أنا رسول الله وأنا محمد بن عبد الله} اكتب يا علي وامح، قال علي: والله لا أمحو اسمك من الصحيفة أبداً، فأخذها صلى الله عليه وسلم، فتفل على الكتابة، ومحاها صلى الله عليه وسلم؛ ثم أعاد الكتاب إلى علي، فقال أبو الوليد الباجي: ما دام أنه صلى الله عليه وسلم غيَّر اسمه، فقد عرف مكان (رسول الله) في الصحيفة، فكيف عرفه وميزه؟ وليس في الحديث أن علياً أشار له، وقال: (هذا رسول الله، وهذا باسمك اللهم) قال ابن حجر: والذهبي وابن تيمية وهو الصحيح: الرجل الأمي من كثرة الكتابة يعرف اسمه، ولذلك بعض الناس الآن يعرف أن اسمه محمد مكتوب، من كثرة ما رأى اسمه، وبعضهم يوقع اسمه وهو لا يقرأ ولا يكتب، فالرسول صلى الله عليه وسلم رأى موقعها من الكلام فمحاها.
فالشاهد أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا قرأ ولا كتب، وإنما محا ما عرف أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرسالة.