[الإيمان في شعر إقبال]
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً} [مريم:٩٦] الإيمان وصله بالله، الإيمان الذي تفتقر إليه الدنيا، الإيمان الذي من وجده وجد كل شيء، ومن فقده فقد كل شيء.
أين ما يدعى ظلاماً يا رفيق الليل أينا إن نور الله في قلبي وهذا ما أراه
قد مشينا في ضياء الوحي حباً واهتدينا ورسول الله قاد الركب تحدوه خطاه
يقول إقبال في قصيدته الطويلة "شكوى" دمعة أرسلها من عينه وتكلم بها في قصيدة يشكو إلى الله حال العالم الإسلامي، يشكو من المسلمين ويشكو من بعدهم عن دينهم وعن رسالتهم، ويبين لهم أن انتصار الإيمان في الدنيا أمر مجمع عليه, وأن الإنسان لا يصلح إلا بالإيمان وأن الدنيا لا تصلح إلا بالآخرة، وأن المسجد لا يصلح إلا مع المزرعة والمزرعة مع المسجد، هذا هو ما يريد أن يقوله للناس.
ولذلك يخالف السعد الشيرازي والسعد الشيرازي: واعظ أفغاني وشاعر كبير, وقيل: هو عجمي إما من حدود إيران أو نحو ذلك, وكنت أظنه من شمال إيران، ويقول عنه محمد إقبال: وهو عالم وواعظ يريد أن يبقى في طرف المسجد وأنا أريد أن أحرك العالم كله، أريد أن تسلم لندن، وأن تسلم موسكو وبون لله رب العالمين، أما السعد الشيرازي فيريد أن يبقى مع كسر خبزه وملحه يعظ الناس في شيراز، فأنا أختلف معه، والسعد الشيرازي شعره جميل, يقول:
بكت عيني غداة البين دمعاً وأخرى بالبكا بخلت علينا
فعاقبت التي بالدمع ضنت بأن أغمضتها يوم التقينا
وأسعدت التي بالدمع جادت بأن أقررتها بالوصل عينا
ويقول:
ما مر من طيف الهوى بمسمعي لو سمعته الورق ما ناحت معي
يا معشر الخلان قولوا للمعافى لست تدري ما بقلب الموجع
أما إقبال فيقول عن هذا:
إذا الإيمان ضاع فلا أمان ولا دنيا لمن لم يحي دينا
ومن رضي الحياة بغير دين فقد جعل الفناء لها قرينا
تساندها الكواكب فاستقرت ولولا الجاذبية ما بقينا
وفي التوحيد للهمم اتحاد ولن نصل العلا متفرقينا
هذه من قصائده في الإيمان، ويقول عن المؤمن والكافر، يصف الكافر بأنه ضيق ضيق ومتخلف متخلف وحقير حقير في علم الله وفي الأرض والكون، ويأتي بالمؤمن فيجعله عالماً وكوناً، يقول في بيتين:
إنما الكافر تيهان له الآفاق تيه
وأرى المؤمن كوناً تاهت الآفاق فيه
تدبروا واسمعوا السحر الحلال، يقول:
الكافر يتوه في الآفاق، والمؤمن تتوه الآفاق فيه.
ويصف مشاعره وأحاسيسه في قصيدة اسمها: "إلى مدينتك يا رسول الله" وأنا قد ترجمت منها بعض المعاني, وعبد الوهاب عزام ترجم كثيراً منها , وأبو الحسن الندوي آثر أن يترجمها نثراً، فترجمها نثراً لأنه ليس بناظم.
يقول أبو الحسن الندوي:
يا رسول الله! زرتك البارحة في المنام فأتيت إليك أشكو ظلم الهنود، وأشكو ما فعلوا برسالتك، إنهم يا رسول الله! حولوا رسالتك إلى تمائم ومسابح وإلى رقصات، إن رسالتك يا رسول الله! انبعثت من المدينة فأحيتني وأحيت أمثالي, لكن رفض الهنود أن يستجيبوا لك يا رسول الله.
ثم يصف خروج الرسالة من طيبة الطيبة وذهابها إلى العراق ثم إلى الأتراك ثم إلى الهنود، وأنها ترتفع بإذن الله لتغطي الدنيا:
من ثراها قد كتبنا النور في دنيا الوجود وعلى أهدابها صغنا معان من خلود
حكمة الإيمان من طيبة سارت للعراق وهفا الأتراك في دنيا رُؤاها والهنود
وكانت قضيته الكبرى أن يؤمن الناس.
وأرسل رسالة إلى لينين، وكان محمد إقبال مشهوراً على مستوى العالم يعرفه لينين، ويعرفه أذناب الشرق والغرب، يقول:
اتق الله يا لينين! فإنك قصمت ظهر الرأسمالية فأحسنت، فألحق بقصمك لـ الرأسمالية لا إله إلا الله.
لينين هذا ثار على الحق الفردي في الرأسمالية , ولكنه أخرب كل الخراب عليه لعنة الله، كفر بالله، يقول: لا إله والحياة مادة.
يقول: تعال بلا إله إلا الله.
ولكن ذاك رفض.
ودخل على نادر شاه في كابل , ونادر شاه كان ملك أفغانستان آنذاك، وكتب رسالة إلى محمد إقبال يقول: أقدم إلينا أقدم إلينا، فدخل محمد إقبال فخرج الأفغان ألوفاً مؤلفة في الشوارع يستقبلونه، فأخذ -قبل أن يقابل الرئيس أو الملك- نسخة من المصحف وأعطاه وقال: يا نادر شاه! والله لن تعلو بشعب الأفغان حتى تأخذ هذه الوثيقة, إنني أتيت بها من الله.
يعني: أن هذا القرآن من الله.