[عيادة المريض]
عيادة المريض لتخفف عنه آلامه ويبث إليك همومه وأحزانه، وما أحسن المسلم إذا عاد أخاه المسلم! فقد ثبت في الصحيح عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يقول الله يوم القيامة: يابن آدم جعت فلم تطعمني! قال: كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن فلان بن فلان جاع فما أطعمته؟ أما إنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي، يابن آدم مرضت فلم تعدني! قال: كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلان بن فلان مرض فما عدته؟ أما إنك لو عدته لوجدت ذلك عندي}.
ما أحسن الزيارة! زار النبي عليه الصلاة والسلام كبير السن، وزار الصبي، وزار الأعرابي، وزار الفقير والغني، زار أعرابياً فرأى عليه الحمى تهزه هزاً، فقال عليه الصلاة والسلام: {لا بأس طهور -أي أن هذا المرض يطهرك من المصائب- فغضب الأعرابي فقال: تقول طهور، بل حُمّى تفور على شيخ كبير، تزيره القبور، قال: فنعم إذن} إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم؛ أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتفاءل وأبى الأعرابي.
عيادة المريض لها أدب وأهمل فيها المتأخرون، يقول الأول:
مرض الحبيب فزرته فمرضت من جزعي عليه
وأتى الحبيب يزورني فشفيت من نظري إليه
وهذه من أبلغ وأحسن ما قيل في هذا، وأحياناً الأرواح ترتاح لرؤية المحبين والأحباب إذا زاروها، وبعض الأرواح السليمة تمرض من زيارة بعض الناس، يقول ابن القيم في بدائع الفوائد: رأيت ابن تيمية رحمه الله وقد تثاقل من رؤية أحد الثقلاء وجلوسي معه، ثم التفت إليَّ بعد أن عجز صبره، وقال: الجلوس مع هؤلاء حمى الربع، وحمى الربع أي: التي تقتل وليس لها علاج، وهؤلاء أهل البدع والخرافيون وثقلاء الناس وأهل البطون، الذين يغضبون لبطونهم أكثر من غضبهم لمبادئهم، ويغضبون لسياراتهم ووظائفهم وأحذيتهم أكثر من غضبهم لإياك نعبد وإياك نستعين.
كان الأعمش إذا رأى ثقيلاً مقبلاً، قال: {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ} [الدخان:١٢].
وقال الأعمش: ما جلس إليَّ ثقيل بجانبي إلا ظننت أن الأرض تميل بجانبه -الكرة الأرضية كأنها تميل- وهؤلاء الثقلاء الذين لا يعرفون وقت عيادة المريض، فيأتونه في الساعة الثانية عشرة ليلاً، ولا يعرفون التحدث معه في حديث يشفي المريض، فيقولون: ما مرضك؟
قال: الزكام، قالوا: مات فلان بالزكام، وماتت فلانة بالزكام، وما أصيب أحد بالزكام إلا مات، أحسن الله عزاءك بروحك وألحقنا الله بك عن قريب، وجمعنا الله بك في دار كرامته!! غسلنا أيدينا منك، فهذا ليس من الآداب.
ومنها كذلك: التطويل، فإن بعض الناس يبقى حتى ينتهي الكلام، فيعل العليل بزيارته، فلا يخرج حتى يقول المريض، ويرفع يديه: اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر.
ولذلك لا تريد أن تلقاه.
قرأت أن الأعمش كتب مرضه في ورقة فكان الناس كلما سأله مريض ما مرضه؟ أخرج الورقة، وقال: اقرأ، لأن بعض الناس يسألك: متى بدأ المرض معك؟ وما هي أعراضه؟ وماذا تجد؟ ومن ماذا منعك الطبيب؟ محاضرة كاملة وسجل التحقيق مفتوح.
فمعاذ الله أن نكون ثقلاء! ولينتبه الإنسان إذا زار أن يخفف، فالزيارة ليست كل يوم ولكن كل ثلاثة أيام زيارة لا بأس بها.
وبعض الأمراض قال ابن عبد البر في أنس المجالس: لا يزار من فيه بعض الأمراض مثل الزكام، أو مرض الركبة، أو الرمد، هذا لا يزار منها، إنما يزار من أمراض محددة معروفة.