[الأنبياء ومعايشتهم للموت]
أما الأنبياء ومعايشتهم الموت.
فاسمع إلى يوسف عليه السلام، نال الملك نال النبوة نال الرسالة، فماذا يفعل؟ توجه إلى الله داعياً، توجه إلى الحي القيوم، قال: {تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف:١٠١].
أقصى ما يتمناه، وأعلى ما يترجاه أن يتوفاه الله مسلماً، يا رب! ألحقني بالصالحين.
يا رب! ذقت الحياة، لبست لباسها، وشربت شرابها، وأكلت طعامها، لا لذيذ، فما رأيت كالإسلام.
فتوفني مسلماً وألحقني بالصالحين.
نسب إلى معاوية أنه قال: [[لبست كل لباس إلا ما حرم الله، وأكلت الطعام بأصنافه، وشربت الشراب بأصنافه إلا ما حرم الله فما وجدت كتقوى الله]].
وذكر ابن القيم في الفوائد عن سليمان عليه السلام أنه قال: علمنا مما علم الناس ومما لم يعلم الناس فلم نجد كتقوى الله.
أيها اللاهي بلا أدنى وجلْ
اتق الله الذي عز وجل
واستمع قولاً به ضرب المثل
اعتزل ذكر الأغاني والغزل
وقل الفصل وجانب من هزل
أتت سكرات الموت نوحاً عليه السلام فقالوا: كيف وجدت الحياة، وقد عشت ألف سنة؟ قال: والله ما الحياة إلا كبيت له بابان دخلت من هذا ثم خرجت من هذا.
سل من عاش مائة كم عاش؟ وسل من عاش القرن والقرنين والثلاثة أين لذاتهم؟ أين راحتهم؟ أين سعادتهم؟ أخذوا والله من نعيمهم وطرحوا فهم مرتهنون بأعمالهم.
وأبو الطيب المتنبي يقول:
أبني أبينا نحن أهل منازل أبداً غراب البين فيها ينعق
نبكي على الدنيا وما من معشر جمعتهم الدنيا فلم يتفرقوا
أين الأكاسرة الجبابرة الألى كنزوا الكنوز فلا بقينَ ولا بقوا
من كل من ضاق الفضاء بجيشه حتى ثوى فحواه لحد ضيق
خرسٌ إذا نودوا كأن لم يعلموا أن الكلام لهم حلال مطلق
يقول إبراهيم عليه السلام في آخر حياته: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} [الشعراء:٨٢].
عليك السلام، تجاهد وتقيم لا إله إلا الله، وتغرس لا إله إلا الله، وتعادي من عادى الله، وفي الأخير تتوجه إلى الله وتقول: والذي أطمع؛ طمع ورجاء وتلهف أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين.
أما رسولنا عليه الصلاة والسلام فذاق الموت وعاصر الموت -بأبي هو وأمي- وجالس الموت، أتته سكرات الموت فأخذ يقول: {لا إله إلا الله إن للموت لسكرات، لا إله إلا الله اللهم هون عليَّ سكرات الموت، لا إله إلا الله اللهم خفف عليَّ سكرات الموت، ثم أخذ خميصة -قطعة قماش- يبلها بالماء ويجعلها على وجهه ويقول: لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد}.
وذهب إلى الله، إلى الرفيق الأعلى.
خير بين الدنيا وقصورها وذهبها وفضتها ومناصبها فقال: {بل الرفيق الأعلى.
فتقول عائشة رضي الله عنها وأرضاها: خيرت والله فاخترت يا رسول الله}.
كفاك عن كل قصر شاهق عمد بيت من الطين أو كهف من العلم
تبني الفضائل أبراجاً مشيدة نصب الخيام التي من أروع الخيم
جلس في بيت الطين، وعاش فيه، ما وجد ما يملأ بطنه، ليالي تمر وأياماً تكر، ولقي الله.
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم
يا خير من دفنت في القاع أعظمه فطاب من طيبهن القاع والأكم
فصلى الله عليه وسلم كلما ذكره الذاكرون، وكلما غفل عنه الغافلون، وكلما أحبه المحبون، وكلما أبغضه المبغضون.