للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[مخالفة الفطرة من أسباب سقوط الشيوعية]

أيها الناس: يقول سيد قطب رحمه الله: تحققت سنة الله عز وجل فيمن أعرض عن منهجه، والله يقول في كتابه لمن لم يهتد، ولمن حكم أنظمته على حكم الله الذي أنزله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في الوحي السماوي الذي أتى به محمد عليه الصلاة والسلام، يقول لأبنائه سواء كانوا أفراداً أو جماعات أو دولاً أو شعوباً، قال تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام:١١٠] يؤخذ من الآية.

أولاً: أن من لم يهتد بنور الله فهو فاسد المزاج ضعيف العقل.

الثاني: أن الله له بالمرصاد فلا يتمم عمله، والله يقول: {إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس:٨١] والله يقول: {وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ} [يوسف:٥٢].

الثالث: أنه لا بقاء إلا لدينه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى؛ قال تعالى: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد:١٧] فـ الشيوعية خالفت فطرة الإنسان، والإنسان مفطور على أن هناك رباً وإلهاً يوحَّد، فقد أتت بمقولة كارل ماركس وقالت: (لا إله والحياة مادة) وليس في الكون إله، والإله الذي زعمته الأنبياء والرسل على حد قولهم أسطورة لا حقيقة له.

الأمر الثاني: أنها قالت: يمكن أن يعيش الإنسان بدون دين، وبلا عقيدة، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: {كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، والله يقول: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم:٣٠] [الروم:٣٠] ويقول: {هَلْ أَتَى عَلَى الإنسان حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً} [الإنسان:١ - ٢].

ففرت من العبودية لله، وجعلت العبودية للبشر، لـ لينين واستالين، وغيرهم من عملاء الأرض، ومن الخونة للشعوب ومن قاتلي الإرادات، إذاً فلن تتصور الشيوعية التصور الجميل للأحداث، لا للكون ولا للإنسان ولا لله، أما الله فنفته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وألحدت به، وكذبت بالألوهية، وأما الإنسان فجعلته عبداً للإنسان.

ولا يعرف في تاريخ الناس منذ أن خلق الله آدم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ذلة وضعف الإنسان وعبودية الإنسان واستخزاء الإنسان إلا في الشيوعية.

حدثنا بعض الدعاة الذين ذهبوا إلى موسكو في فترة برجنيف في مهمة علمية كان لا بد أن يذهب إليها، يقول: والله لقد مررنا بمعسكرات للناس حتى ظننا أنها معسكرات الحيوان، وفيها البشر الذين أخطئوا أو أرادوا الخروج على الشيوعية أو أرادوا كسر هذا الحاجز، أو أرادوا أن يبدوا حوارهم، رأيناهم في معسكرات من شباك وأسلاك شائكة وهم يعلفون كما تعلف الأنعام تماماً، يوصل إليهم الخبز والماء، وعندهم دورات مياه، وقد رأيناهم ألوفاً مؤلفة وراء الأسلاك الشائكة كالحيوانات تماماً.

ثم تصورت الشيوعية كذلك أن الكون قائم بنفسه، وأنه لا مؤثر له، وأن يد القدرة لا دخل لها في تسيير الكون، وقالوا: الطبيعة خلقت نفسها والأحداث خلقت نفسها، ولا دور للقدرة في ذلك، فكان مصيرها الانهيار والتكذيب، جرباتشوف اعتنق النصرانية على خلاف بين المطلعين، قيل: اعتنقها في أول سنة تولى الحكم هناك، وقيل: قبل الحكم بثلاث سنوات، وقرأت كتابه البروسترويكا، وفي الصفحة الخمسين وما بعدها يعلن ذلك، وكأنه يريد الدين، وكأنه اعتنق النصرانية ولم يوفق لاعتناق الإسلام ولا اهتدى لنور الله، وكأنه ما وجد داعية يرشده لهذا النور الذي أتى به محمد عليه الصلاة والسلام، فرأى هو أنه لا بد للإنسان من دين، وأن من الخطأ أن يعيش بلا دين فاعتنق النصرانية.

ولعلها لظهور دول نصرانية كـ الولايات المتحدة أو بريطانيا أو فرنسا أو أسبانيا وغيرها بهذا الدين، ظن هو أن الهداية من هذا: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام:١١٦].

<<  <  ج:
ص:  >  >>