[خوف عمر من الله عز وجل]
يقف عمر يوم الجمعة في عام الرمادة وبطنه تقرقر من الجوع فيقول: [[قرقر أولا تقرقر، والله لا تشبع حتى يشبع أطفال المسلمين]] يقف يوم الجمعة وبُرْدَتُه مرقعة أربع عشرة رقعة، وكسرى وقيصر يهتزون منه خوفاً:
يا من يرى عمراً تكسوه بردته والزيت أدم له والكوخ مأواهُ
يهتز كسرى على كرسيه فرقاً من خوفه وملوك الروم تخشاهُ
لما خفنا الله خافت منا الأمم، وخاف منا الفجرة والمردة، فلما خفنا منهم ولم نخف من الله خوفنا الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى منهم، وإلا فنحن ما انتصرنا على الأمم إلا يوم أتينا بلا إله إلا الله، ونشر أجدادُنا لا إله إلا الله، وساروا بلا إله إلا الله على البحار، وما حاربناهم بشيء إلا بهذه العقيدة.
دخل ربعي بن عامر على رستم في القادسية ورستم في وزارته وإمارته، ومعه الذهب والفضة، والإكليل والديباج وزخرف الدنيا، فيدخل ربعي وعليه ثياب ممزقة، وفرس هزيل، ورمح مُثلَّم، لكنه يخاف الله ويرجو رحمة الله، ويتصل بالله -القوة العتيدة التي لا تُغلب- فيضحك رستم من هذه الهيئة، ويقول: جئتم تفتحون الدنيا بهذا الرمح المثلم، وبهذه الثياب الممزقة، وبهذا الفرس الهزيل؟! فقال ربعي: [[إي والله، إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام]].
من ذا الذي رفع السيوف ليرفع اسـ ـمك فوق هامات النجوم منارا
كنا جبالاً في الجبال وربما صرنا على موج البحار بحارا
بمعابد الإفرنج كان أذاننا قبل الكتائب يفتح الأمصارا
كنا نكبر فتهتز لنا قصور الأعداء، ولذلك يذكر أن من شدة خوف سعد بن أبي وقاص لله - كما يروي الذهبي وابن كثير - أنه لما رأى قصر كسرى الضلالة والعمالة، والبطالة والعطالة كسرى الصد عن الله، لما رآه سعد حين فتح القادسية قال ودموعه تتساقط من فرحة النصر:
طفح السرور عليَّ حتى إنني من عظم ما قد سرني أبكاني
وقرأ قوله تعالى: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} [الدخان:٢٦ - ٢٩]]].
كان الصحابة أقرب الناس من الله، وأخوفهم منه سُبحَانَهُ وَتَعَالى؛ فقربهم وأفضليتهم ومصداقيتهم بالخوف من الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى.