للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[إقامته للجهاد]

وبقي من سيرته مسألة ثانية، وهي أنه أقام الجهاد للمسلمين وفتح الله به بلاداً كثيرة، ورفع به الراية، وصنع منبراً من الخشب، وكان يضرب فيه المسامير بنفسه، قالوا: لمن هذا المنبر، قال: أصلي فيه وأخطب فيه إن شاء الله في بيت المقدس، ولكن لم يحصل.

تقضون الفلك المسير دائر وتقدرون فتضحك الأقدار

{وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الانسان:٣٠] وفتح أحد حسناته، وهو تلميذه صلاح الدين الأيوبي بيت المقدس، ولما فتح بيت المقدس الجمعة الأولى جلس في الصف الأول وقام شمس الدين الحلبي يخطب في الخطبة، وذكر نور الدين وأخذ يحيي صلاح الدين، يقول في الخطبة: الحمد لله وحده، الذي نصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، الحمد لله منزل الكتاب، مجري السحاب، هازم الأحزاب، ثم التفت إلى صلاح الدين وقال:

تلك المكارم لا قعبان من لبنِ وهكذا السيف لا سيف ابن ذي يزن

وهكذا يفعل الأبطال إن غضبوا وهكذا يعصف التوحيد بالوثن

ثم ترحموا على نور الدين، فلما صلوا قام صلاح الدين وقبل المنبر من الخشب، الذي صنعه نور الدين محمود وقال: رحمك الله، وقد تمنى أن يصلي هناك، فنسأل الله أن يكتب له أجر تلك الأمنية، وكان خاطره مكسرواً كلما تذكر بيت المقدس، وقد فتح الشمال وطرد الإفرنجة ووقف أحد أبناء نور الدين واسمه ابن معين الدين معه، فلما طرد الإفرنجة، قال لـ ابن معين الدين: الآن بردت جلدة أبيك في قبره، قال: ولمَ أبي؟ قال: لأنه صالح الإفرنجة وأنزلهم دمياط وأنا طردتهم، قال: الآن لما شاركت عسى أن تكون كفارة، أنك طردت هؤلاء الأقزام.

<<  <  ج:
ص:  >  >>