للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[سبب ما ورد عن بعض السلف من السقوط والغشيان عند سماع القرآن]

السؤال

فضيلة الشيخ ذكرت تعريف الخوف لـ ابن تيمية، وهو قوله: حد الخوف ما حجزك عن المعاصي والباقي لا حاجة فيه، ثم ذكرت بعده خوف عبد الله بن وهب، وكيف كان يُغشى عليه لمجرد سماعه لبعض الآيات، فكيف توفق بين القولين؟ ثم كان الرسول صلى الله عليه وسلم أخوف البشر ومع ذلك لم يكن يغشى عليه فما تحميل ذلك؟

الجواب

لا يقتضي من التعريف أن ينطبق على أحوال الناس، والتعريف الذي ذكرته لـ ابن تيمية موجود، وهو من أحسن ما عرف فيه الخوف: حد الخوف ما حجزك عن المعاصي وما زاد فلا حاجة له.

وقلت: إن سيد الخائفين وأجلهم عليه الصلاة والسلام هو الذي عرف الله عز وجل، وهو أقربنا منزلة إلى الله، فهو أخوف الناس، أما هؤلاء النماذج الذي ذكرت مثل بعض المحدثين، والزهاد، والعباد، فإن وارد الخوف غلب عليهم، وقد سئل ابن تيمية عنهم قال السائل فيما معناه: كيف نرى أن بعض التابعين غلب عليهم الخوف حتى غشي على بعضهم وصعق بعضهم، ولا يوجد ذلك في الصحابة؟

قال: الصحابة تحملوا وارد الخوف فكانوا أقوى قلوباً، وأما هؤلاء فلم يتحملوا الخوف فسقطوا وغشي عليهم، فهذا هو الجواب.

والشاطبي في الموافقات يقول: إن الشريعة تخاطب جمهور الناس كما عُلم ذلك، لكن قد يرى من بعض الناس من يزيد عنده الرجاء أو تزيد عنده العبادة على ما أثر، فيصل إلى هذه المنازل، ولسنا مطالبين بتقليد عبد الله بن وهب ولا غيره فيمن صرع، لكن نعذرهم في ذلك، وهذا من إيمانه وإخباته، ونقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر خوفاً منهم، وأعلى منزلة عند الله عز وجل، وكذلك الصحابة بعده، فهذا هو الجواب، ولذلك سئل ابن تيمية في الفتاوى عن الفضيل بن عياض؛ لأنه ذكر عنه أنه لما مات ابنه علي دفنه ثم ضحك في المقبرة، والرسول عليه الصلاة والسلام لما دفن ابنه إبراهيم قال: {تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون}.

فكيف يتبسم الفضيل ويضحك، والرسول صلى الله عليه وسلم تدمع عينه ويحزن قلبه؟!

الجواب

قال شيخ الإسلام: الصبر واجب والرضا مستحب على الأصح من أقوال أهل العلم، والرسول صلى الله عليه وسلم جمع بين الرضا والصبر وبين الرحمة، رحم ابنه إبراهيم فدمعت عينه وحزن قلبه، لكن الفضيل ما استطاع أن يجمع بين الرضا والحزن أو الرحمة، أراد أن يرحم، فإذا رحم ابنه تدمع عينه ويحزن، وأراد أن يجمع بين الرضا فما استطاع فأخذ مقام الرضا، فمقام الرسول صلى الله عليه وسلم أجل وأرفع وأعلى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:٢١].

<<  <  ج:
ص:  >  >>