سعد بن عبادة بن دليم، سيد الخزرج، هذا الرجل منذ أن وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وقد أقسم بالله لا تغادر صحفته بيتاً فيه رسول الله، فكانت صحفته يحملها أربعة، وكان من أكرم العرب، فكانت تدار مع رسول الله في أي بيت نزل فيه، حتى تقول عائشة رضي الله عنها عن سعد بن عبادة:[[ما أكرمه! والله ما مسنا الجوع منذ رأينا صحفته]] أو كما قالت رضي الله عنها.
لكن لما انتقل إلى العالية وابتعد عن المدينة، أصبح هناك بُعد بينه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم في الجوار، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يزوره إلى هناك، بل زاره حافياً عليه الصلاة والسلام في سكك المدينة.
يقول علماء الإسلام: ما عرفنا ثلاثة أجواد في الإسلام والجاهلية من نسق واحد إلا سعد بن عبادة بن دليم، فإنه جواد من أجواد الإسلام، وأبوه: عبادة بن دليم وجده دليم كذلك كان من أجواد الجاهلية، هذا النسب العريق في الجود.
وثبت عن سعد رضي الله عنه أنه نحر مائة ناقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والسبب: أنه أتاه ابنه قيس، وقال:[[يا أبتاه! والله لقد رأيت الجوع بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم قال: كيف عرفته؟ قال: عرفته في صوته ورأيته في وجهه، فأخذ الحربة، قالوا: وجاء الرسول الله وهو ينحر، قال: ولِمَ؟ قال: والله لأشبعن كواسر المدينة وعوافها]] يعني: الطيور، فنحر وكان ثرياً غنياً آتاه الله كثيراً من المال كان -كما يقول الذهبي عنه في سير أعلام النبلاء - يرفع يديه بعد كل صلاة، ويقول: اللهم إني لا جود إلا بفعال، اللهم إني أسألك ما أجود به في سبيلك، فأعطاه الله سبحانه وتعالى، وهو سيد من السادات، فأخذ الحربة فما أنزلها من يده حتى نحر مائة ناقة، ثم قال: عليّ برسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل المدينة، فأشبع أهل المدينة حتى أكل معهم اليهود في ذاك اليوم.
هذا سعد بن عبادة الذي يقول عنه السلف: كان الرجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم جوع، ينطلق الصحابة بالرجل والرجلين، وأما سعد بن عبادة فينطلق بالثمانين إلى المائة إلى بيته.