وأخرج عليه الصلاة والسلام الأمة من القتل والنهب والفتنة والسلب إلى الوئام والإخاء، والصفاء والحب:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}[آل عمران:١٠٣].
إن أيام الرسول عليه الصلاة والسلام هي الأيام التي يجب على الدعاة وطلبة العلم والشباب أن يعيشوا جزئياتها، وأن يجعلوا منها دستوراً لأيامهم، فقد عاش أيام العمر في الأعمال والمهن التي يعيشها غالب الناس.
أما رعى الغنم؟! لكنه حكم الأمم.
أما رقع الثوب؟! أما حلب الشاة؟! أما كنس البيت؟! أما ضحك وبكى؟! أما صلى ونام؟! أما صام وأفطر؟! أما تزوج النساء؟! أما تاجر وسافر؟! أما افتقر فصبر، واغتنى فشكر؟! بلى.
حكم الناس فهو قدوة للحكام، وأفتى فهو قدوة للمفتين، ودعا فهو قدوة للدعاة، ورعى فهو أستاذ للرعاة، وعلم الناس فنون الاقتصاد والحرب والسلم.
كأنه وهو فرد من جلالته في موكب حين تلقاه وفي حشم
إن محمداً عليه الصلاة والسلام عاش هذا العمر الطويل ليكون لنا نموذجاً حياً نقتدي به، يقول كما عند مسلم:{والذي نفسي بيده! لا يسمع بي يهودي ولا نصراني، ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار} أما المسلم فليس في الحسبان أن مسلماً يصلي ويعترف بلا إله إلا الله، ثم يتخذ غير محمد عليه الصلاة والسلام قدوة للأمة.
حارب عليه الصلاة والسلام الجيوش الجرارة، فكان أول مبارز، وكان أول شجاع، تجرح أمامه الكماة، وتنهزم أمامه الكتائب، ومع ذلك يتواضع لله، ويعلم أن النصر من عند الله، يغلب أحياناً، وتنكسر رباعيته، ويجرح، ويذبح أصحابه أمامه، فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، ولكنه مع ذلك لا ينهزم، بل يواصل المسيرة بعزيمة أقوى وأقوى.