مسألة: نقل الميت من مكان إلى مكان، مثلاً توفي في بلد غير بلده، هل ينقل أو لا؟ إن نقل فلا بأس بذلك، لكن الأولى والأفضل والمسنون الذي وردت فيه الأحاديث أن الأفضلية أن يدفن في المكان الذي توفي فيه، فأورد في الطبراني حديثاً وقال: فيه ضعف، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من مات في بلد غير بلده كتب الله أثره من ذاك البلد أو من موضعه إلى ذاك البلد الذي توفي فيه} فالأفضل للمؤمن أن يدفن في البلد الذي مات فيه، وهو الأولى والأحسن ولو كان بعيداً عن قريته أو عن مدينته ولو كان في بلاد الكفار، بل قال بعض أهل العلم: هو أفضل أن يدفن في بلاد الكفار، واستحب ذلك كثير من الصحابة كما في ترجمة أبي أيوب الأنصاري، فإنه دفن على أسوار القسطنطينية، وكان أبو أيوب شيخاً من الأنصار، وهو الذي أنزل الرسول صلى الله عليه وسلم ضيفاً عنده في المدينة، وقد بلغ به الكبر عتياً وهو يجاهد في سبيل الله، فذهب فقاتل ومات رضي الله عنه وهو في الغزوة، وقال لـ يزيد بن معاوية قبل أن يتوفى: اذهب بي إلى آخر ديار المسلمين واجعلني في حدود بلد الروم ليبعثني الله من بين قوم كفار، فهو شاهد له يوم القيامة أن يخرج من قبره وهو مؤمن بين أمة كافرة لا تعرف الله عز وجل.
إذاً القول الأول: أنه يستحب المشي أمام الجنازة.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يستحب المشي وراء الجنازة للاعتبار.
وأقول: إذا وردت النصوص فالحكمة فيما جاءت به النصوص، وابن عمر يقول:{رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر يمشون أمام الجنازة}.
على أن الأمر فيه سعة، وليس هناك إثم إذا مشى وراءها، فهي من باب الأولى والأفضل، فلو مشى خلفها فهذا ليس به بأس، بل ثبت أن كثيراً من الصحابة مشوا خلف الجنازة رضوان الله عليهم وأرضاهم.
وأقول: إن النور إن كان للحاجة فلا بأس به، لأن من عادة أهل الجاهلية أنهم كانوا يوقدون ناراً في سرج ويذهبون وراء الميت وكأنه كان ناراً، أو نوراًَ، أو كان مشهوراً، ولذلك تقول الخنساء في أخيها:
وإن صخراً لتأتم الهداة به كأنه علم في رأسه نار
فهم يشهرون بالميت وينوحون عليه ويذهبون بالنار معه لشهرته في الحياة، وقد كذبوا في ذلك.