محمد عابد الجابري كنت أقرأ كتبه الأخيرة، وأتساءل: أما عرف هذا الأستاذ أن محمداً صلى الله عليه وسلم هو المصيب، وهو صاحب المنهج الرباني؟! ولماذا يمزج هذه الأفكار في مثل أزمة وخطاب العقل العربي، أو خطابنا الآن، أو فيما يطرح؟ فوجدت أنه يريد أن يوجد ثقافة عربية منفصلة، وبغض النظر هل هي مخطئة أم مصيبة، فهذا من وجهة نظري، فمثلاً: يأتي بثقافة أو طرح ابن خلدون والشاطبي، وطرح الرافضة والإسماعيلية الباطنية، والمعتزلة، ثم يجعل الفكر العربي هو الفكر السائد والمحكم وهذا ما أشبهه بـ المعتزلة، فإنهم جعلوا العقل محكماً على الشرع، فما استحسنه فهو الحسن، وما استقبحه فهو القبيح!
فأنصحه أن يعود للوحي، وأن يحكم عقله فيما يكتب، بعد أن يعود إلى قال الله وقال الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا في مسألة طلب الدليل:{قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا}[الأنعام:١٤٨].
الأمر الثاني: أن المسألة ليست مكاثرة، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم:{المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور} فإن الذي يتكاثر بما عنده من ثقافة وأنه نقل أو قرأ متشبع بما لم يعط, والمطلوب من المفكر هو الصفاء، وليس المطلوب الخلط والمزج، فإنه أحياناً يخرج بأشياء مبثوثة وهو لا يعلم ماذا يريد أن يقول للناس، وله أتباع كانوا يكرمون مقالاته، وأنا لم أقل فيه هذا إلا لأنه مؤثر, وكتاباته متتابعة، وله إنتاج كثيف وضخم.
وأطالبه أن يتقي الله في الأمة، وأن يعود فيؤصل، وأرى أن يقرأ لاثنين: لشيخ الإسلام ابن تيمية وللشاطبي، وقد مدح الشاطبي لكنه عاد فقرن ثقافات أخرى من الباطنية والمعتزلة كما قلت، حتى نقل عن بعض الزنادقة.
العشماوي: مشكلة هؤلاء يا شيخ عائض! وأنت تدري بهذا الموضوع: أنهم يعتمدون على الثقافة الغربية، فركيزة ثقافة محمد عابد الجابري غربية، ويرجع إلى التراث وإلى بعض الشخصيات كـ الشاطبي وغيره؛ يرجع للاستشهاد فقط ولأخذ الأدلة، وحبذا لو نصح من هذا الجانب؛ فلو اعتمد على تراثه ثم عاد إلى ما عند الآخرين ليستفيد منهم لكان هذا هو الصواب، ولما وقع في هذا الخلط العجيب الذي وقع فيه الآن.
لكن المشكلة أن هؤلاء يعتمدون الثقافات الغربية أصلاً، ثم يعودون للاستشهاد بالثقافات الإسلامية، كما يصنع مع أدونيس في مجال الأدب, عندما يعتمد الحداثة منهجاً ثم إذا أراد أن يستشهد رجع إلى التراث، فأخذ منه ما يناسبه.