للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[القرآن هو المعجزة الكبرى]

الحمد لله، الحمد لله القائل: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [آل عمران:١٩٠ - ١٩٤].

أحمده حمد من أنار بالتوحيد قلبه، ومن عرف بالتوحيد ربه، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم من رسول شرح الله له صدره، ووضع عنه وزره، ورفع له ذكره.

نبي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر نبي رباه الله على القرآن من صغره، وعلمه مما علمه الله نبي كسر الله بدعوته ظهور الأكاسرة، وقصَّر برسالته ظهور الأقاصرة وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أمَّا بَعْد:

أيها الناس! فإن لكل رسول من الرسل عليهم الصلاة والسلام معجزة اختص بهذه المعجزة من بين الرسل، ليصدقه قومه، وليعلن التوحيد والبراهين فيهم، فكان لموسى عليه السلام معجزة العصا يوم خرج في قوم بلغوا في السحر ذروته ومنتهاه، فأتت عصاه فتلقفت ما صنعوا من الكذب والبهتان.

وبلغ قوم عيسى في عهده مبلغاً عظيماً في الطب، فأتى إليهم بطب من الواحد الأحد يبرئ به الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله.

وأما رسولنا عليه الصلاة والسلام فبعث في أمة مُجيدة في اللغة، فصيحة في البيان، خطيبها أخطب الخطباء، وفصيحها أفصح الفصحاء، وشاعرها أشعر الشعراء، فأتى إليهم عليه الصلاة والسلام بالقرآن، سمعوه فدهشوا من بلاغته وبيانه وفصاحته، فما استطاعوا أن يحيدوا -والله- حتى يقول فرعونهم وكافرهم الوليد بن المغيرة، وقد سمع بلاغة القرآن، ويحلف باللآت والعزى: إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمغدق، وإن أسفله لمورق، وإنه يعلو ولا يعلا عليه، فما زالوا به حتى رجع عن مقالته، وكذَّب ما قال عن القرآن، فقال عنه سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ * سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} [المدثر:٢٤ - ٣٠].

وأتى رسول الهدى صلى الله عليه وسلم ليربي هذه الأمة على هذا الكتاب المجيد، الذي {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} كتاب كلما قرأته آجرك الله، وكلما تدبرته وفقك الله كتاب من حكم به عدل، ومن استمع إليه استفاد، ومن اتعظ بمواعظه اتعظ.

كتاب من قرأه علّمه الله علم الأولين والآخرين.

كتاب من استنار به أدخله الله الجنة، ومن تقفَّاه قذفه على وجهه في النار.

كتاب من تدبَّره أخرج النفاق والشك والريبة من قلبه، فهو شفاء لما في الصدور.

كتاب من التمس الهداية فيه هداه الله وسدده، ومن التمس الهدى من غيره أضله الله.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله رحمة واسعة: "من اعتقد أنه سوف يهتدي بهدىً غير هدى الله الذي أرسل به رسوله في القرآن العظيم، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً ولا كلاماً، ولا ينظر إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم".

<<  <  ج:
ص:  >  >>