[سلامة المعتقد]
الطلب الأول: المعتقد، فهم يحرصون على ضميمة معتقد السلف، وهذا هو المعهود، وما أقول هذا إلا لأن الدعاوى قد كثرت:
والدعاوى ما لم يقيموا عليها بيناتٍ أصحابها أدعياءُ
ويقول ابن عباس: [[لو ترك الناس ودعواهم لادعى قومٌ دماءَ قومٍ وأموالهم، ولو ترك الناس ودعواهم لادعى الخليُّ حرقة الشجي]].
ولما ادعيت الحب قالت كذبتني ألست أرى الأعضاء منك كواسيا
أين العلامات؟ أين البراهين؟ قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا} [الأنعام:١٤] {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:١١١].
فأقول: إن الأخذ بمعتقد السلف ومعتقد أهل السنة والجماعة ينبغي أن يكون عملاً، وأن يكون دعوة وتأثيراً.
وأنا أرى بعض العلماء، شكر الله لهم محافظتهم على معتقد السلف، وكتابتهم في ذاك الجانب، وطبع كثير من النسخ وإرسالها وهذا من الجهد المشكور لهم عند الله تبارك وتعالى؛ وأقول هذا: لأنه وجد من العلماء، وأنا على باعي القصير، وعلى قلة بضاعتي، كانت لي رسالة في أهل البدعة الذين رموا بها في أهل الحديث فوجدت في البخاري وفي مسلم تسعة وسبعون راوياً رموا بالبدعة، مرجئة وقدرية وخوارج وشيعة رافضة وغيرهم، لكن ما نقصوا من قيمة الصحيحين؛ لأن هناك أعذاراً لا أتمكن من ذكرها الآن.
فلا يكفي الإنسان أن ينتظم في دار الحديث، أو أن يحمل صحيح البخاري ومسلم، أو أن يجلس مع سنن البيهقي لنقول هذا: سلفيٌّ صِرفٌ لا غبار عليه؛ لأنه وجد من أهل الحديث من كان معتزلياً فشيخ الشافعي ابن أبي يحي؛ معتزليٌ جهميٌ قدريٌ، قال الإمام أحمد: كل شرٍ فيه، وعمران بن حطان له حديثان، بل كان يزعم على نفسه أنه من أهل الحديث، لكنه خارجيٌ صِرفٌ، وداعيةٌ من دعاتهم، وفطر بن خليفة كذلك، وغيرهم كثير، بل قد تجد من دعاة الجهمية من يحفظ عشرة آلاف حديث، وأنا أعرف تسعة وعشرين رافضياً يدعون إلى مذهب الرفض وهم يحفظون عشرات الآلاف من الأحاديث.
فمعتقد السنة لا يأتي فقط بالانتساب إلى أهل الحديث، إنما يأتي بمعرفة القرون المفضلة الثلاثة الذين أثنى عليهم صلى الله عليه وسلم، والذين حافظوا على ضميمة وعقيدة السلف، ولم يلووا أعناق النصوص حتى توافق أهواءهم، وترجم الذهبي لـ عفان الراوية الكبير، فأتى بالحديث الذي في الصحيحين: {أن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى ينزل إلى سماء الدنيا في الثلث الأخير} نزولاً يليق بجلاله, وقد أجمع أهل المصنفات والمسانيد والسنن على إخراجه، فقال عفان: ينزل بذاته، وكلمة (ذاته) ليست في الحديث، فقال الذهبي: قلت: كلمة (بذاته) من كيس عفان والسلام؛ يعني: أنها ما وردت في اللفظ وفي هذه الطريق، كثرة الكلام، والادعاء، ولي أعناق النصوص لتوافق الأهواء ليست بواردة.
ثم على هذه القضية فأهل الحديث أكثر محاربة لأهل البدع؛ فإن ميزة أهل الحديث أنهم يقفون في وجه أهل البدع، وما رفع الله به الإمام أحمد إلا بوقوفه في وجه أهل البدع، وكذلك البخاري ومسلم والدارمي، وغيرهم كثير.
وأهل البدع يوقف معهم بثلاثة أساليب:
بالكتابة، والمراسلة، فإن لم تُجْدِ فبالهجر والمقاطعة، فإن لم تُجْدِ فبالتشهير في المجالس.
تقدم ثور بن زيد؛ أحد الرواة الذين لهم حديثٌ عند البخاري فسلم على سفيان الثوري بيده، فأمسك سفيان الثوري يده وقال: إنه الدين، ولو كان غير الدين لسلمت عليك، وعرضت جنازته ليصلي عليها الناس، فمشى سفيان الثوري واخترق الصفوف، ثم خرج من تلك الجهة ليري الناس أنه لا يصلي عليه؛ لأنه مبتدع.
والإمام مالك قال: لا تجالسوا أهل الأهواء، ولا تحدثوهم.
وقال ميمون بن مهران؛ المحدث الكبير: [[ثلاث لا تدخل نفسك فيها: لا تجلس مع امرأةً أجنبية وحدك، ولو قلت أعلمها القرآن؛ فإن الشيطان يكون ثالثكما، ولا تفاوض مبتدعاً لترد عليه؛ فإنه يلقي في قلبك من بدعته ما الله به عليم.
ولا تدخل على السلطان لتنصحه؛ فإنه يخاف أن يؤخذ دينك]] أو كما قال.