[التدرج في الدعوة]
ومن أدب الدعوة: التدرج في الدعوة.
وهذا أدب نبوي، أن نبدأ بالأولويات مع الناس، ألا نقدم صغار المسائل قبل كبار المسائل، أن نعرف كيف ندعو الناس، ما هي كبريات المسائل التي ينبغي أن ندعو الناس إليها، وهذا فعله عليه الصلاة والسلام، أتى إلى الأصنام في الحرم، والخمر يُشرَب, والزنى يرتكب، فما أتى إلا يقول: قولوا: لا إله إلا الله، قالوا: معك غير هذا؟ قال: لا.
قولوا لا إله إلا الله، قال لـ أبي جهل: كلمة واحدة، قلها لي، قال: وأبيك وألفاً، ما هي الكلمة؟ قال: لا إله إلا الله، قال: أما هذه فلا.
كان يقول: لا إله إلا الله، وما تعداها ثلاث عشرة سنة، فلما ضمنتها القلوب؛ أتى عليه الصلاة والسلام بالفرائض، فلما قامت القلوب بالفرائض، دعا إلى السنن.
ليس بصحيح أن ندعو الناس إلى السنن وهم لا يقيمون الفرائض، إنسانٌ لا يصلي وتدعوه أن يربي لحيته، ولو كانت لحيته إلى الأرض، إنسانٌ يزني ويشرب الخمر، وتأتي إليه وتقاومه وتهجره من أجل أنه لا يأكل باليمين، وما ينفع ألا يأكل باليمين وهو ما أقام أعظم من ذلك، بل فَسَقَ وفَجَرَ في الإسلام.
فالبداية بكُبْرَيات المسائل قبل صُغرياتها، ثم نعطي كل مسألة حقها.
والناس في هذه المسائل ثلاثة: طرفان ووسط.
- منهم من يأتي فيقيم الدنيا ويقعدها على جزئية، ويتبرأ من الناس، حتى تجده لا يصف الناس إلا بهذه الأوصاف، ما رأيكَ في فلان؟ فلا يَذْكُرُ علمَه، ولا حِلمَه، ولا صبرَه، ولا زهدَه، ولا صدقَه، ولا أمانتَه، ولكن يقول: عنده لحية.
ما شاء الله، تبارك الله، أي: لو رأيته بلحيته وبقِصَر ثيابه لذكَّرك بأهل بدر، ولكن هل هذه هي الضوابط الصحيحة؟
وبعضهم ربما كان صادقاً، مؤتَمَناً، باراً بوالديه، مصلياً، لكن أساء وأخطأ في حلق لحيته، فتسأله عنه، قال: فاجر من الفجرة، حلق لحيتَه من الأذُن إلى الأذُن.
وأنا أقول: من فعل ذلك ففيه فجور، لكن أما أنك تلغي حسناته بسبب هذا الذنب فليس بصحيح.
- وبعضهم يقابل في الطرف الآخر، فأرخى الحبل حتى انسحب، قال: هذه قشور، المسألة ليست مسألة لِحَى، قلنا: ما هي المسألة؟ قال: إيمان، والمسألة ليست مسألة ثياب، المسألة ليست أكل باليمنى ولا أكل باليسار، المسألة أعظم من ذلك.
حتى شذَّر الدين، وقطَّع الدين، ما بقي عليه إلا أن يقول عن الصلاة: المسألة ليست مسألة صلاة.
ما هو هذا الإيمان الذي فهمتَه أنتَ وما فهمَه الصحابة؟!
- وتوسط قومٌ، فأعطوا كل مسألة حقها، قال الله: {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} [الطلاق:٣] فأعطَوا الصلاة حقها، واللحية مقدارَها، والثوب مقداره: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثيراً} [البقّرة:٢٦٩].