[عمرو بن العاص في ساعة الاحتضار]
جاء في صحيح مسلم عن شفي المهري قال: [[حضرنا عمرو بن العاص رضي الله عنه وأرضاه وهو في سكرات الموت وهو في مصر , فاشتدت عليه سكرات الموت وجاء في غير الصحيح: قال له ابنه عبد الله: يا أبتاه! إنك كنت تسألني ما هو شدة الموت وأنت في الحياة, فأنت اليوم أحسن من يصف الموت, فصف لي الموت؟ قال: يا بني! والله الذي لا إله إلا هو لكأن جبال الدنيا على صدري, وكأني أتنفس من ثقب إبرة قال شفي فحضرناه وهو في سكرات الموت, وقبل أن تفيض روحه حول وجهه إلى الحائط, وأخذ يبكي بكاءً طويلاً, وينتحب انتحاباً شديداً, ثم التفت إلينا, وابنه عبد الله يحسِّن ظنه بالله, ويقول: يا أبتاه! أما أسلمت؟ أما هاجرت؟ أما جاهدت؟ وكل ذلك لا يزيد p=١٠٠٠٢٠٢>> عمرو بن العاص إلا بكاءً, فيقول رضي الله عنه وأرضاه وقد قلص الدمع من عينيه: يا بني! إني عشت حياتي على طباقٍ ثلاث: أما الطبق الأول فكنت في الجاهلية, لا أعرف الإسلام, وكان أبغض الناس إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولو تمكنت منه على تلك الحال لقتلته, ولو مت على تلك الحال لكنت من جثي جهنم, ثم أسلمت, وقدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة فلما رآني هش وبش في وجهي]]
ما أحسن هذه الكلمات! ما أحسن (هش وبش) للدعاة وللصالحين وللأخيار! قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:١٥٩] {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:٤] وقال: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:١٢٨].
قال عمرو: {فلما جلست قلت: يا رسول الله! مد يدك لأبايعك, فمد عليه الصلاة والسلام يده الشريفة, فلما بسط يده قبضت يدي, قال: ما لك يا عمرو؟ قلت: أشترط, فتبسم صلى الله عليه وسلم وقال: تشترط ماذا؟ قلت: أشترط أن يغفر لي ربي ذنبي قال: يا عمرو أما تدري أن الإسلام يهدم ما قبله, وأن التوبة تجب ما قبلها} قال: فأسلمت, فوالله ما كان من أحد أحب إليّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم, ووالله ما ملأت عيني منه, ووالله لو سألتموني الآن أن أصفه ما استطعت أن أصفه, فلو مت على تلك الحالة لكنت أرجو أن أكون من أهل الجنة, ثم لعبت بي الدنيا ظهراً لبطن, فوالله لا أدري أيؤمر بي إلى الجنة أم يؤمر بي إلى النار, ولكن إذا مت فشدوا عليّ أزراري فإني مخاصم, وفي رواية في الصحيح: فامكثوا على قبري قدر ما تنحر جزور وتقسم, ثم ما عندي من عمل ألقى به الله إلا (لا إله إلا الله محمد رسول الله) ثم قبض يده عدا أصبعه السبابة ليلقى الله بيده وهي تحمل لا إله إلا الله للصادقين.
فيا بشرى من صدق مع الله! ويا بشرى من أخلص لله! لأن كل عمل لا يراد به الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يذهب وينتهي وينقضي, ويبقى ما لله تبارك وتعالى، ويوفى الصادقون بصدقهم عنده تبارك وتعالى.