عشت فترة من حياتي كنت أحس فيها بلذة الطاعة، وحلاوة الإيمان، وأنس الذكر والمناجاة، إلا أني الآن أحس أن عزمي على الطاعة قد ضعف، وإيماني قد فتر، فبماذا توجهنا وتنصحنا إلى ما يزيد إيماننا ويقويه، ويعيدني إلى حالتي السابقة؟
الجواب
لا بد من الاعتراف بتقصير النفس، يقول ابن تيمية رحمه الله فيما نقل عنه ابن القيم في مدارج السالكين: السائر إلى الله يسير بنظرين: نظر في جلال النعمة، ونظر في عيب النفس والعمل، فإذا علمت ذلك فاعلم أنك بشر، وأنك تخطيء وأن السيئة مكتوبة عليك، فأبوك آدم أخطأ ولكنه تاب.
(وهذه شنشنة نعرفها من أخزم)(ومن يشابه أبه فما ظلم).
فإذا علم ذلك فاعترف لنفسك بالخطأ، ولكن تب إلى الله عز وجل، والفتور هذا لا بد من الاعتراف به فإنه واقع على الناس والأشخاص.
ففي صحيح مسلم عن حنظلة بن الربيع الأسيِّدي الكاتب، أنه شكا إلى أبي بكر وقال: نافق حنظلة! قال: مالك؟ قال: نكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحدثنا عن الجنة والنار، حتى كأنا نراها رأي العين، فإذا خرجنا من عنده صلى الله عليه وسلم عافسنا الأطفال والضيعات ونسينا كثيراًُ، فقال أبو بكر: وأنا كذلك، فذهبوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فأخبروه، فقال:{والذي نفسي بيده، لو تظلمون كما كنتم عندي في الذكر لصافحتكم الملائكة في السكك، ولكن ساعة وساعة}.
وعقد النووي باباً على هذا في صحيح مسلم، فقال: باب جواز أخذ بعض الساعات في المباحات، فالفتور هذا وارد، وصح عن ابن مسعود أنه قال:[[إن للقلوب إقبالاً وإدباراً، فاغتنموها عند إقبالها، وذروها عند إدبارها]] وعن عمر فيما صح عنه قال: [[يا أيها الناس! إذا أقبلت قلوبكم فأكثروا من النوافل، وإذا أدبرت فألزموها الفرائض]].
فإذا عرفت ذلك فاعلم أن هذا الفتور وارد، وله أسباب، وأعظم أسباب الفتور والخمول والكسل هي المعاصي، ما ظهر منها وما بطن، فإنها تودي بالعبد إما إلى موت القلب، وإما إلى قسوة القلب والران، فعليك كلما عصيت أن تتوب، وأن تستغفر، وأن تجدد إيمانك.
وعند أبي يعلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:{جددوا إيمانكم، قالوا: ماذا نقول يا رسول الله؟ قال: قولوا: لا إله إلا الله، فإن الشيطان يقول: أهلكت بني آدم بالسيئات والخطايا، وأهلكوني بالاستغفار ولا إله إلا الله} ثم المباحات تضعف الإيمان كثيراً وتقسي القلب، أعني: الإكثار منها والمبالغة فيها، كالإكثار من الضحك ومن الكلام الذي لا ينفع، والإكثار من الخلطة، والإكثار من النوم، والإكثار من الأكل والشرب، إلى غير ذلك.
وأما ما أنصحك به: فعليك بكتاب الله عز وجل، فداو مرضك، وحاول أن تبرئ به سقمك، وحاول أن تستشفي به فإنه نعم الشفاء، ثم مجالسة الإخوان الصالحين وحبهم، وزيارتهم، والقرب منهم، وسماع كلماتهم، ثم بحضور مجالس الخير والدعوة، ثم بكثرة الذكر، بأن تلهج بذكر الله صباح مساء، ثم بتذكر الموت، وأن تزور المقابر، وأن تقرأ الرقائق، وأن تعد العدة للقاء الله، ثم إني أنصحك بمجانبة جلساء السوء، فإنهم ضلال وإنهم والله أعدى من الجرباء، وهم الذين يفقدون الشخص إيمانه ويقينه ودينه وخلقه، نسأل الله أن يثبتنا وإياك وكل مسلم.