للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الدعاء قبل السلام]

وهذه المسألة قد بحثها بعض العلماء وقالوا: هل تدعو بما ورد أم لك أن تدعو بما شئت؟ هل لك أن تقول قبل السلام -مثلاً-: اللهم اغفر لي ولوالدي وللمسلمين أجمعين، اللهم ارزقني رزقاً حلالاً، ونجح أبنائي في الدارسة واغفر لهم، أم أنه لابد أن تتقيد بالدعاء الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس، وسهل وأبي هريرة وعائشة: {اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وعذاب النار، ومن فتنة المحيا والممات} وغيرها من الأدعية؟

قال بعضهم: لك أن تدعو بما شئت.

وهذا هو الصحيح إن شاء الله، لقوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين، في حديث ابن مسعود: {ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فليدعُ} قالوا: أعجبه: أي أقربه وأحسنه، ولحديث أبي هريرة في الصحيح {أن رجلاً أتى إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فسأله الرسول عليه الصلاة والسلام بم يدعو، فقال: أسأل الله الجنة، وأستعيذ به من النار، أما دندنتك ودندنة معاذ فلا أحسنها.

فقال: حولهما ندندن} يعني حول هذا الكلام ندور.

فأقره عليه الصلاة والسلام على ذلك، ولو قلنا: إنه لابد أن يقيد بالألفاظ التي أتت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، لأفسدنا صلاة الناس، لأن أكثر الناس يدعون بأدعية من عند أنفسهم لم ترد نصاً عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وورد في الحديث الصحيح: أن ذا الخويصرة الأعرابي أتى إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فصلى معه، فلما انتهى من الصلاة وأراد أن يسلم، قال ذو الخويصرة: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً، ثم سلم، فقال صلى الله عليه وسلم: من الداعي آنفاً؟ والرسول صلى الله عليه وسلم يعرفه غالباً، لكن لم يكن يتعمد أن يشهر بالناس، بل كان يوري، فقال: أنا يا رسول الله.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: {لقد حجرت واسعاً} أي: إن رحمة الله وسعت كل شيء، ثم قام هذا الأعرابي فما لبث أن بال في المسجد!! في قصة طويلة.

فالمقصود أن الرسول صلى الله عليه وسلم أنكر عليه تحجيره للرحمة، ولم ينكر عليه الدعاء من حيث هو، ما قال له: لقد استحدثت دعاءً وإنما قال: تحجرت رحمة الله، وكان السلف يدعون في صلاتهم بأمور لم تأتِ عن الرسول صلى الله عليه وسلم كأن يدعو الإنسان بتسهيل أموره، أو برزقٍ حلالٍ أو مباح على كل حال، فليتخير من الدعاء أعجبه إليه فليدعُ وحولهما ندندن، هذا هو الأصل في المسألة، إلا بقطيعة رحم والعياذ بالله، أو بتعدٍ في الدعاء، كما صح عنه صلى الله عليه وسلم في حديث سعد: {إن أقواماً يعتدون في الدعاء والوضوء} فلا يعتد الإنسان في الدعاء، كقول بعضهم: اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة.

ولا بقطعية رحم، كأن يقول: اللهم عذب فلاناً من أقاربه، ولا بإثم كأن يقول: اللهم دمر المسلمين، أو افعل بهم، نعوذ بالله من ذلك.

<<  <  ج:
ص:  >  >>