للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من مكائد اليهود: افتراؤهم أنهم أبناء الله وأحباؤه]

التاسعة: ومن مفترياتهم أيضاً: قولهم إنهم أبناء الله: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ} [المائدة:١٨] الآية.

قيل لبعض الصالحين: من أين لك من القرآن أن الحبيب لا يعذب حبيبه؟ قال: من قوله سبحانه وتعالى: {قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ} [المائدة:١٨] فلو كانوا أحباب لله ما عذبهم الله بذنوبهم، فهم يرون اليوم أنهم شعب الله المختار وأنهم الأمة الوسطية، والصفوة من الناس، قتلت فتاة يهودية قبل يومين في فلسطين في قرية من القرى فيقول شامير: أدعو بالغضب الإلهي على الفلسطينيين.

وهو يقتلهم من ثلاثين سنة، يقتل الألوف المؤلفة منهم ويشردهم في الأرض.

أما الغضب الإلهي فلا يقع إلا على الفلسطينيين، أما هو فلا يأتيه غضب إلهي: {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا} [الأنعام:١٤٨] {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:١١١] فالمقصود: أنهم يرون أنهم أبناء الله وأنهم الشعب المختار وصفوة البشرية عليهم لعنة الله كلما أصبح الصباح وأمسى المساء.

وقالوا: إن الله فقير عليهم لعنة الله: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا} [آل عمران:١٨١].

طلب منهم الأنبياء النفقة في سبيل الله؛ فقالوا: إن الله فقير، ما دام يطلب أموالنا فهو فقير! ونسوا أن الذي خلقهم ورزقهم هو الله!

{لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [آل عمران:١٨١ - ١٨٢].

ويقولون: {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} [المائدة:٦٤] قال ابن عباس: بخيلة.

يقولون: الله عز وجل لا ينفق كثيراً على الناس لأن بعض الناس فقراء، ولو أنفق الله عليهم لكانوا أغنياء، قال سبحانه وتعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ} [المائدة:٦٤] انظر العبارة كأنها صاعقة: {غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة:٦٤] ما قال: (بل يداه مبسوطتان) ثم سكت بل قال: {غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة:٦٤].

ولذلك أحد الصالحين قرأها من القرن الثاني يوم كانوا يفهمون القرآن ويتدبرون القرآن فبكى كثيراً يوم قال: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} [المائدة:٦٤] بكى، ولما أتى قال: {غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ} [المائدة:٦٤] رفع صوته حتى ارتج المسجد لينصر دين الله.

قال: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} [المائدة:٦٤] ثم بكى، ثم التفت وإذا الخطاب كأنه صاعقة: {غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة:٦٤] فلا أغنى من الله، ولا أجود منه ولا أكرم منه سبحانه وتعالى.

{وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ} [البقرة:١١٣]

العجيب أن ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم في الصفحات الأولى قال: سوف يقع في طوائف هذه الأمة ما وقع في اليهود والنصارى، تأتي اليهود وتقول: ليست النصارى على شيء.

أي: هم على باطل، وتأتي النصارى وتقول: ليست اليهود على شيء.

أي: هم على باطل، ووجد هنا اتجاهات ومشارب، يقوم المشرب والاتجاه يقول: إن الاتجاه الآخر ليس على حق، بل هو مخطئ دائماً، أما نحن فالحمد لله مصيبون! وتذهب إلى أولئك فيقولون: أما نحن فأصبنا كل الإصابة وأولئك مخطئون.

هل نزل عليكم وحي من السماء؟! هل تكلم معكم الرسول عليه الصلاة والسلام؟ لا والله إنه ليس إلا الهوى القاتل، نعوذ بالله من الهوى!

{وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة:٣٠].

هذه كذبة على الله عز وجل، فإن الله لم يلد ولم يولد، والولادة أو الجنس من أحط درجات الصفات البشرية، تعالى الله عن ذلك سبحانه وتعالى لأنه لا يليق به سبحانه وتعالى، فقالوا هم: إن عزيراً ابن الله، وكذبوا على الله، وهذه فرية يستحقون بها التدمير والإبادة، وقد فعل بهم سبحانه وتعالى ذلك.

{وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ} [البقرة:١١١] وهذا هراء {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:١١١].

أعندكم وثائق؟! أعندكم صكوك تدخلون بها الجنة من الله عز وجل، أو صكوك غفران كاذبة ظالمة غاشمة خاطئة؟!

ومنها: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ} [البقرة:٨٨].

قال الإمام البغوي: يقولون: عندنا علم انغلفت قلوبنا عليه فلا نحتاج إلى علمك، يعني: علم الرسول صلى الله عليه وسلم، وقيل: عندنا من الفقه ما لا نحتاج إلى ما تأتينا به، وقيل: عندنا علم فلا نسمع لما جئت به أنت، قلوبنا مغلفة مجلدة بعلم.

{وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ} [البقرة:٨٨].

وقال سبحانه وتعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ} [النساء:٥٠] قيل: السحر، وقيل غيره {وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلا} [النساء:٥٠] ذهب سيدهم كعب بن الأشرف من خيبر إلى أبي سفيان فقال أبو سفيان يسأله: باللات والعزى: من منا الأهدى: نحن أم محمد؟ يعني: أقوم سبيلاً.

قال: أنتم أقوم سبيلاً.

قال سبحانه وتعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ} [النساء:٥٠] يعني: كعب بن الأشرف {يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلا} [النساء:٥٠] فقال الله عنهم: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً} [النساء:٥١ - ٥٢] نعوذ بالله من اللعنة!

{وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:٨٠].

فيقولون للمسلمين: نمكث في النار أياماً معدودة: ستة أو سبعة أيام أو عشرة أيام بالكثير وبعدها نخرج، وتخلفونا أنتم، يعني: المسلمين، فكذبهم الله عز وجل وذكر أنهم يمكثون فيها مخلدين، ويعتق الله كل مسلم بما يقومهم من اليهود والنصارى، يقول الله للمسلم يوم القيامة: هذا اليهودي أو هذا النصراني عتقك من النار، خذه واجعله في النار بدلاً عنك.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>