وقد مرت قصة، لكني صدفت عنها، وهي: أن أبا قحافة والد أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه أبو أبكر اسمه: عبد الله بن عثمان بن أبي قحافة، فـ أبو قحافة هو أبوه- كان يوم الفتح موجوداً، أتدرون أين كان؟ كان يرعى الغنم في جبل من جبال مكة، ولم يسلم حتى ذلك اليوم، وقيل: أسلم، فقال لابنته، أخت أبي بكر: ماذا ترين؟ قالت: يا أبتاه! إني أرى سواداً يَنْقاد، قال: المَحِي، هل هو ثابت أولا؟ قالت: لا.
ثابتٌ بالأرض، قال: هذا الخيل.
أترين شيئاً؟ قالت: أرى رجلاً يصعد وينزل أمام الخيل، قال: هذا الخيال يَرُدُّ الخيلَ ويصُفُّها أي: خيل الرسول عليه الصلاة والسلام، فلما قدم الرسول عليه الصلاة والسلام من تواضعه صلى الله عليه وسلم ومن معرفته لمكان أبي بكر ولمقامه في الإسلام، قام صلى الله عليه وسلم وذهب ليزور أبا قحافة هذا، فقال أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه: نحن نأتي به يا رسول الله، أي: لمكانة الرسول عليه الصلاة والسلام فأتوا به وهو شيخ كبير، ولحيته كالثغامة البيضاء، أي: أنها بيضاء كلها ليست مُغَيَّرة، لا بأسود ولا بأحمر ولا أصفر، فقال صلى الله عليه وسلم:{غيروا هذا وجنبوه السواد} وجنبوه السواد: ليست ضعيفة، بل هي صحيحة، وليست مُدْرَجة بل هي متصلة في المتن.
فالصحيح أن السواد لا يصبغ به، وأنه منهي عنه؛ ولكن يغير الشيب إما بأحمر أو بحناء، أو بكَتَم، أو بشيء من الأصفر.
وعند أبي داود في سننه حديث فيه كلام: يقول صلى الله عليه وسلم: {ليكونن أقوام من أمتي في آخر الزمان لحاهم كحواصل الحمام، لا يريحون رائحة الجنة يوم القيامة} أو كما قال صلى الله عليه وسلم، قيل: هؤلاء الذين يغيرون بالسواد؛ لأن فيه خديعة.
واستثنى بعضُ العلماء -كما يقول ابن حجر - استثنوا ذا السلطان؛ فإن ذا السلطان يغير بالسواد؛ لكن هذا الاستثناء ينبغي أن يتوقف إلى الدليل، وقالوا: إن الحسن والحسين غيرا بالسواد.
لكن الأولى للمسلم أن يجتنب هذه الأمور التي فيها مخالفة؛ لأنها ظهرت النصوص فيها.