[أحوال المسلمين اليوم مع الجهاد]
وأما اليوم فـ:
ربَّ وا معتصماه انطلقت ملء أفواه الصبايا اليتمِ
لامست أسماعهم لكنها لم تلامس نخوة المعتصمِ
أمتي هل لكِ بين الأممِ منبرٌ للسيف أو للقلمِ
أتلقاك وطرفي حاسرٌ خجلاً من أمسك المنصرمِ
ألإسرائيل تعلو رايةٌ في حمى المهد وظل الحرمِ
أوما كنت إذا الموت اعتدى موجةً من لهبٍ أو من دمِ
كم من امرأة اليوم تقول: وا معتصماه! واإسلاماه! في أفغانستان وفلسطين والفلبين ولا يجيبها مجيب، كم من طفل يقتل! كم من مسجد يهدم! كم من شعيرة لله عز وجل تسحق! ثم لا مجيب يجيب! بلغت الأمة من الذلة والمهانة يوم تركت الجهاد وتخلت عن الدين مبلغاً لا يعلمه إلا الله، يقول عليه الصلاة والسلام: {إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، وتركتم الجهاد، سلَّط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى تراجعوا دينكم} وبيع العينة منتشر وهي أن تباع السلعة من الرجل ديناً، ثم يشتريها بثمن أقل قسطاً قسطاً ومقدماً وهذا موجود وفاشٍ {وأخذتم أذناب البقر} تتحول الأمة من أمة جهاد إلى أمة مزارعة، والزراعة ليست حراماً، لكن أبطال الإسلام وشباب لا إله إلا الله وحملة التوحيد يتحولون إلى باعة بطاطس، وخيار وباذنجان وجرجير وخس في الأسواق، ويصبح حمل السلاح لا يطيقه إلا القليل، ويصبح الآلاف من الشباب لا يستطيع أحدهم شحن المسدس والرمي به، ولا يحمل الرشاش، بل أجزم جزماً لو اعتدي على كثير من البيوت الآن لما استطاع الشباب المدافعة عن بيوتهم، بعضهم لا يملك سلاحاً، عندهم سكاكين للبصل في المطبخ، والسلاح أصبح كيماوي ومزدوج، وبعضهم عنده سلاح لكنه لا يستطيع أن يرمي، ولا يصيب الهدف، وما لديه تدريب قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال:٦٠] والرسول عليه الصلاة والسلام ربى شبابه على القوة العسكرية وعلى حمل السلاح والأنفة، اسمع إلى أبي تمام يصور معركة المعتصم في عمورية، لما انتهى المعتصم، وعاد إلى بغداد، عاد وعلم النصر فوق رأسه والعلماء يبكون لنصر الله ويفرحون، واستقبلته الأمة ونساء الأمة وأطفال الأمة، لأنهم أثبت عدة للا إله إلا الله، وقف أبو تمام يحيي هذا البطل ويقول:
السيف أصدق إنباءً من الكتبِ في حده الحد بين الجد واللعبِ
فتح الفتوح تعالى أن يحيط به نظمٌ من الشعر أو نثرٌ من الخطبِ
يا يوم وقعة عمورية انصرفت عنك المنى حفلاً معسولة الحلبِ
ثم قال:
تدبير معتصمٍ بالله منتقم لله مرتقب في الله مرتغب
ثم يروي أبو تمام قصة المنجمين الذين أتوا قبل المعركة إلى المعتصم وقالوا: لا تحاربوهم هذا الشهر، قال: ولمَ؟ قالوا: لأن برج الثور حل علينا، وبرج الثور إذا حل، لا ينتصر المقاتل، قال: آمنت بالله وكفرت بكم، قال: أبو تمام:
أين الرواية أم أين الدراية كم صاغوه من زخرفٍ فيها ومن كذبِ
طلاسم وأحاديثٌ منمقةٌ ليست بنفع إذا عدت ولا غربِ
فالنصر في شهب الأرماح لامعةً بين الخميسين لا في السبعة الشهبِ
فالنصر في السيوف وليس في النجوم، إلى أن يقول في آخرها:
لما رأت أختها بالأمس قد خربت كان الخراب لها أعدى من الجربِ
إلى أن يقول للخليفة: أنت لست الذي انتصر، بل الله الذي رمى بك: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:١٧]:
رمى بك الله جنبيها فهدمها ولو رمى بك غير الله لم يصبِ
إنه تدبير الله وقوته {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر:٥١ - ٥٢] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:٧] {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ} [آل عمران:١٦٠] إن يخذلكم بأعمالكم وتصرفاتكم وأكلكم الربا وسكوتكم على المنكرات؛ تبرج النساء، وانتشار المخدرات، وضياع الشباب: {وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ} [آل عمران:١٦٠] من يقدم لكم النصر؟ فهذه أمور عاشها السلف.