في الترمذي بسند حسن:{أن أعرابياً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم -والأعراب أهل مصائب في حياته صلى الله عليه وسلم، الأسئلة الثقيلة، الجفاء، تعكير جو الهدوء والسكينة في المسجد، الضجة والصجة، تضييع الوقت والمحاضرات والكلمات على رسول الله صلى الله عليه وسلم- فيأتي هذا الأعرابي ويتربص بالمسجد ويدخل، ويتخطى الصفوف ويقف أمام الرسول عليه الصلاة والسلام، ما ظنكم برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتحدث إلى جماهير تريد أن ترفع لا إله إلا الله، وتنصر لا إله إلا الله، فيقاطعه هذا الأعرابي.
وفي الأخير يقول الأعرابي لما جلس الرسول صلى الله عليه وسلم بين الناس كما رواه أهل الصحيحين عن أنس؛ يقول: أين ابن عبد المطلب -ما كأنه يعرف العلم، وما كأنه يعرف البشير النذير، فيقول الناس: ذاك الرجل الأبيض الأمهق المرتفق، الأمهق: المشوب بحمرة، المرتفق: المتكئ، فيتقدم إليه- فيقول: يا بن عبد المطلب -لا يقول: يا رسول الله: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً} [النور:٦٣]- فيقول: قد أجبتك، فقال: إني سائلك فمشدد عليك في المسألة -انتبه إن سؤالي صعب، ومشكل، إنه مدهش محير فأجبني- قال: سل ما بدا لك، فيقول هذا الأعرابي: من رفع السماء؟ -إن أكبر معجزة عند الأعراب رفع السماء، وهي معجزة حقاً- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله.
-وهم يعرفون أنه الله- قال: من بسط الأرض؟ قال: الله.
قال: من نصب الجبال؟ قال: الله.
قال: أسألك بمن رفع السماء، وبسط الأرض، ونصب الجبال، آلله أرسلك إلينا رسولاً؟ قال: اللهم نعم.
واحمر وجهه صلى الله عليه وسلم -إنه سؤال عظيم، داهية من الدواهي أن يسأل عن التوحيد- فيقول: أسألك بمن رفع السماء، وبسط الأرض، ونصب الجبال، آلله أمرك أن تأمرنا بخمس صلوات في اليوم والليلة؟ قال: اللهم نعم.
ثم أخذ يسأله عن أركان الإسلام فلما انتهى ولى وقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله، والله لا أزيد على ذلك ولا أنقص}.
فقال صلى الله عليه وسلم:{أفلح الرجل، ودخل الجنة إن صدق} فإذا بالتوحيد يعرض في خمس دقائق، لا عرض المنطق، ولا الفلسفة وعلم الكلام الذين تبر الله سعيهم، أتوا يعرضون العقيدة في طلاسم، فأفسدوا عقيدة الناس في قلوب الناس، العقيدة تعرض كهذا العرض، لا أحاجي، لا ألغاز، ولذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إن الله لا يغفل عن المأمون الخليفة العباسي في إدخاله علم المنطق على المسلمين، إي والله، لن يغفل الله عنه، ولن يدعه -إن شاء الله- إلا بحساب، كيف يدخل علماً ماجناً خسيساً رخيصاً عند من أتوا بالوحي صافياً منقىً من السماء؟!
فإما حياة نظم الوحي سيرها وإلا فموت لا يسر الأعاديا