وقال تلميذه ابن القيم -غفر الله له ورفع درجته- في إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان وهو كتاب عظيم:" ومن مكائد الشيطان ومن مكائد عدو الله ومصائده التي كاد بها من قل نصيبه من العقل والعلم والدين، وصاد بها قلوب الجاهلين والمبطلين، سماع المكاء والتصدية والغناء بالآلات المحرمة، الذي يصد القلوب عن القرآن، ويجعلها عاكفة على الفسوق والعصيان، فهو قرآن الشيطان، والحجاب الكثيف عن الرحمن، وهو رقية اللواط والزنا، وبه ينال العاشق الفاسق من معشوقه غاية المنى، كاد الشيطان النفوس المبطلة، وحَسَّنَ الغناء لها مكراً منه وغروراً، وأوحى إليها الشبه الباطلة على حسنه فقبلت وحيه، واتخذت لأجله القرآن مهجوراً، فلو رأيتهم عند ذياك السماع، وقد خشعت منهم الأصوات، وهدأت منهم الحركات، وعكفت قلوبهم بكليتها عليه، وانصبت انصبابةً واحدةً، فتمايلوا له كتمايل النشوان، وتكسروا في حركاتهم ورقصهم كتكسر النسوان، والعياذ بالله ".
ثم قال:" وهو خمارة النفوس، يفعل بالنفوس أعظم من فعل الكئوس، فلغير الله بل للشيطان قلوب هناك تمزق، وأموال في غير طاعة الله تنفق، قضوا حياتهم لذة وطرباً، واتخذوا دينهم لعباً ولهواًً، مزامير الشيطان أحب إليهم من استماع سور القرآن، لو سمع الواحد منهم القرآن من أوله إلى آخره لما حرك له ساكناً، ولا أزعج له قاطناً، حتى إذا تلي عليه قرآن الشيطان، وولج مزموره سمعه، تفجر ينابيع الوجد من قلبه على عينه فجرت، وعلى أقدامه فرقصت، وعلى يديه فصفقت والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله الواحد الديان عليه توكلت وهو حسبي ونعم الوكيل ".
انتهى كلامه رفع الله منزلته، وغفر ذنبه، وهو من المحققين العظماء.