قال عليه الصلاة والسلام:{ومنعاً وهات} أي: وحرَّم الله عز وجل المنع، وهو أن تمنع الحقوق التي عليك، والحقوق منها ما هو واجب، ومنها ما هو مستحب، فالواجب كالزكاة والمستحب كالصدقة، وغيرها من الحقوق التي جعلها الله عز وجل في مال العبد، وفي خلقه، وفي شفاعتة، وفي جاهه ومنصبه ومسئوليته، فالمنع محرم، ويدخل في ذلك البخل، والبخل أذم خصلة وجدت في العبد، حتى قال الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى ذاماً اليهود:{وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ}[المائدة:٦٤] قال ابن عباس كما في تفسير ابن كثير: بخيلة، وهم البخلاء عليهم لعنه الله.
حتى إن بعض السلف من أدبه مع الله كان إذا قرأ:{وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا}[المائدة:٦٤] كان يقرؤها باستحياء يخفض بها صوته؛ لأنها في جانب العزة والجلالة سُبحَانَهُ وَتَعَالى، بل الله سبحانه هو الغني الجواد، وكل عبد يجود فهو من جوده سُبحَانَهُ وَتَعَالى، خزائنه لا تنفد لو أنفق ليلاً ونهاراً:{يد الله سحَّاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض، فإنها لم تغض مما في يمينه إلا كما يغيض المخيط إذا أدخل البحر} قال تعالى: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ}[النحل:٩٦] وقال تعالى: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْأِنْفَاقِ وَكَانَ الْأِنْسَانُ قَتُوراً}[الإسراء:١٠٠].