ومنها: أن هذا الإسلام مهما قيل: إنه انتصر، فلا زال في الطريق عقبات، ولو قالوا: صحوة عارمة، فأمام الصحوة ألف عقبة، أعداء الله كثير، يعملون الكثير من العراقيل والمخططات المعقدة التي يحار العبد أمامها، مخططات يعجز الشيطان أن يكتشفها، تأتي من كل باب ومن كل جهة، ونحن ليس لنا حيلة كما يقول ابن القيم:"العبد الصالح يفوض أمره إلى الله، ولا يعتمد على حيلته" ويقول: حالنا كما قال نوح عليه السلام: رب {أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ}[لقمر:١٠]
فاترك الحيلة فيها واتكل إنما الحيلة في ترك الحيل
فليس لنا حيلة ولا ذكاء ولا دهاء ولا قوة، وليس معنا إلا حسبنا الله ونعم الوكيل.
وكم كالوا عليه من التهم الباطلة عليه الصلاة السلام، فقالوا: شاعر، كذاب، ساحر، كاهن، امرأته فعلت؛ رسالته ليست صادقة؛ يأخذ أجراً على الدعوة؛ إنما يعلمه بشر؛ مفترٍ على الله؛ وهو يقول: حسبنا الله ونعم الوكيل.
ولما دخل غار حراء ومعه أبو بكر رضي الله عنه، فطوقه الكفار، فقال أبو بكر:{يا رسول الله! والله لو نظر أحدهم إلى قدميه} أرادوا أن يدخلوا الغار؛ فأعمى الله بصائرهم وأبصارهم عن الغار.
ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت على خير البرية لم تنسج ولم تحم
عناية الله أغنت عن مضاعفة من الدروع وعن عال من الأطم
لم يدخلوا الغار يقول أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله! والله لو نظر أحدهم إلى قدميه لأبصرنا، فتبسم عليه الصلاة والسلام تبسم الواثق، من الذي يتبسم وحوله خمسون شاباً كل شاب معه سيف يريد أن يذبحه؟ من الذي يتبسم وهو في غار صغير وحوله الكفر من كل جهة ولا حرس معه إلا حرس الله؟ لا رمح ولا سيف ولا خنجر ولا سكين ولا شيء.
والفيافي حالمات بالمنى تتلقاك بتصفيق مثير
فقال النبي صلى الله عليه وسلم:{لا تحزن إن الله معنا ونصره الله}.
الخطيب البغدادي صاحب التاريخ ابتُلي بفرية أستحي أن أقولها في هذا المجلس، ورأى في المنام قائلاً يقول: أتريد يا خطيب! أن تصل مبلغ الإمامة بلا ابتلاء، أتريد أن تصل إلى تلك المكانة بلا ابتلاء، فعرف أنه ابتلاء من الله.