للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[عمر يودع الوفود الداخلة عليه في مرضه الأخير]

ثم قال: أدخلوا عليَّ الشباب، فأدخلوا عليه الشباب فسلم عليهم ودعا لهم، ولما انتهى الشباب خرج شابٌ, كان مطيلاً لإزاره.

يقول أهل العلم: أمير المؤمنين يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر في سكرات الموت، قال: عليَّ بالشاب -فأتى- قال: [[يا ابن أخي! ارفع إزارك, فإنه أتقى لربك, وأنقى لثوبك -فقال الشاب: جزاك الله عن الإسلام خيراً، قال: بل جزى الإسلام عني خيراً]] ثم قال: عليَّ بعلماء الصحابة، فلما دخل ابن عباس وضع يده على كتف عمر، وكان دم عمر يثعب في الأرض، فبكى ابن عباس طويلاً، ثم قال: [[يا أمير المؤمنين! أسلمت فكان إسلامك نصراً، وهاجرت فكانت هجرتك فتحاً، وتوليت فكانت ولايتك رحمة، فأسأل الله أن يحشرك مع صاحبيك]] فبكى عمر، وقال: [[يـ ابن عباس! ليتني نجوت كفافاً لا لي ولا عليَّ]].

ثم دخل علي بن أبي طالب وكان أفصح الناس، فسلم وقبّل جبين عمر فكانت دموع عمر تهل كالمطر من خوف لقاء الله، وقال: ماذا أقول لله غداً؟

وكان يقول: [[يا ليتني شجرةً تعضد]] يا ليتني ما عرفت الحياة، فدخل علي وقال: [[ما عليك يا أمير المؤمنين، والله لطالما سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: جئت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر، فأسأل الله أن يحشرك مع صاحبيك]] ثم قال عمر: هل صليتُ الفجر؟ قالوا: لا.

بقيت عليك ركعة، قال: الله المستعان، فقام فأكمل الركعة، ثم قال: اسقوني لبناً، فسقوه اللبن فخرج اللبن من بين أمعائه مع الكبد، فقال: لا قرار لي، وأوصى بالخلافة ثم ودع الناس، ولما قرب الغروب قبضت روحه.

{يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:٢٧ - ٣٠].

كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر فليس لعينٍ لم يفض ماؤها عذر

توفيت الآمال بعد محمدٍ وأصبح في شغلٍ عن السفر السفر

عليك سلام الله وقفاً فإنني رأيت الكريم الحر ليس له عمر

إذا ورقات العز جذت غصونها ففي أي غصن يوجد الورق النضر

ذهب إلى الله، ولكن بقي عدله، وبقيت سيرته، وبقي حبه في القلوب.

ذهب إلى الله وبقيت رسالته، وهي رسالة محمد صلى الله عليه وسلم.

بقي عمر في عيوننا وفي تاريخنا، بقي عمر في ضمائرنا وفي مجدنا، وعلى منابرنا.

بقي عمر في أكبادنا، وفي شعوبنا، وعلى أعلامنا.

بقي عمر تاريخاً وشرفاً لنا حتى نلقى الله.

نسأل الله أن يجمعنا بـ عمر.

نسأل الله أن يرفع منزلته، وأن يرينا وجهه، وأن يعظم أجره جزاء ما قدم للإسلام.

أشجاك آي الهدى والذكر أبكاكا وجنة الخلد والفردوس مأواكا

<<  <  ج:
ص:  >  >>