للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[نزع الغل من الصدور]

ومن القضايا المهمة في حياتنا -يا عباد الله- قضية: سل السخيمة من القلوب، الضغينة والحقد والحسد، وهذا الذي شتت القرى، وفرق القبائل، ودخل بين الأسر حتى عادى الابن أباه، والأخ أخاه، وتهاجر الجيران وتقاطعوا، والله أمرهم أن يصطلحوا وأن يترافقوا ويتراحموا، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:١٠٥].

تعالوا إلى سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لنأخذ بعض النماذج منها، ومن سيرة أصحابه:

الرسول عليه الصلاة والسلام علم الناس الألفة والمحبة، يأتيه ضيف في ليلة دامسة فيطرق بابه، فلا يجد عليه الصلاة والسلام ما يقدم له من خبز ولا تمر ولا فاكهة، فيقول: من يضيف ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وله الجنة.

فيأخذه أحد الأنصار فيذهب به إلى بيته فيقول لامرأته: هل عندك شيء، قالت: لا والله، إلا شيء قليل من حب الشعير لا يكفينا.

قال: اطحنيه

انظر إلى حياة المشقة آنذاك ثم ما أصبحنا فيه من نعم متكاثرة متواترة لا نحصي عدها، ولا نستطيع شكرها إلا أن يعيننا الله على ذلك، أصبحت الموائد تترك وترمى في القمامات للكلاب والقطط، أصبح الناس يصابون بالتخمة والأمراض الباطنية، وكثير من الأمراض الجسمية أصبحت لكثرة الأكل والشرب!

قال: فإذا قدمت العشاء أمام الضيف فتظاهري بإصلاح السراج، ثم أطفئيه ليأكل الضيف في الظلام ولا نأكل ويظن أننا أكلنا معه.

فلما قدمت العشاء للضيف، قامت إلى السراج لتصلحه فأطفأته، فصاروا في الظلام، وأتى صاحب البيت يرفع ويظهر أنه يأكل، وهو لا يأكل شيئاً حتى أكل هذا الضيف وأمسى شبعان ريان.

وفي الصباح استدعاهم صلى الله عليه وسلم وقال: لقد عجب الله من فوق سبع سماوات من صنيعكما البارحة بضيفكم، وكان جزاؤهم الجنة.

قال تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر:٩].

ورد أنه في القرون المفضلة قد: أصابهم قحط وجوع لا يعلمه إلا الله، فأهدي إلى رجل من الأنصار رأس كبش ليطبخه، فقال: أنأكله وجيراننا ليس عندهم شيء، فأرسله إلى الجيران، فأرسله الجيران إلى الجيران، والجيران إلى الجيران حتى عاد إلى الرجل الأول الذي أرسله، وما ذاك إلا لقوله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر:٩].

عمر رضي الله عنه وأرضاه في عام الرمادة، عام القحط والجوع والجدب قال: والله لا آكل سمناً حتى يكشف الله الضراء عن المسلمين، وكان بطنه يقرقر من كثرة الجوع فيقول: [[قرقري أو لا تقرقري، والله لا أشبع حتى يشبع أطفال المسلمين]] وهذا من الإيثار الذي افتقدناه في مجتمعاتنا.

أحد علماء الإسلام وزهاده ابن المبارك كان له جار يهودي جاوره سنة، ثم أسلم بعد السنة، قالوا للجار: لماذا أسلمت؟ قال: وكيف لا أسلم وعبد الله بن المبارك ما شرى لحماً إلا بدأ بأهلي، وما كسا أبناءه إلا كسا أبنائي قبلهم، ولا اشترى فاكهة إلا أهدى لنا قبل بيته.

عباد الله! هذه قضايا أحببت عرضها هذه الليلة، ولا أريد الإطالة فإن كثرة الكلام كما قال عمر رضي الله عنه: [[ينسي آخره أوله]] وهناك وقت للأسئلة وللحوار، وربما ترجون قضايا، وأسأل الذي جمعنا هذه الليلة على غير ميعاد إلا ميعاد الحب فيه سُبحَانَهُ وَتَعَالى أن يجمعنا في مستقر رحمته في روضة من رياض الجنة، نسأله سُبحَانَهُ وَتَعَالى أن يغدق على قلوبنا وقلوبكم برد اليقين، وأن يرينا سبل السلام، وأن يهدينا طريق الجنة.

اللهم بعلمك الغيب، وبقدرتك على الخلق أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا، اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أصلح بيوتنا وأبناءنا وزوجاتنا وإخواننا وجيراننا، اللهم أصلحنا ظاهراً وباطناً، اللهم تغمدنا برحمتك، اللهم وفقنا لكل خير واهدنا سبل السلام.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

وإن كان من شكر فإني أشكر الله- سُبحَانَهُ وَتَعَالى- شكراً جزيلاً، ثم أشكر من كان سبباً في هذه الجلسة الطيبة الخيرة، ونسأل الله أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال.

وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

<<  <  ج:
ص:  >  >>