للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[مقدمة عن الموت والحياة]

الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين.

أمَّا بَعْد:

فعنوان هذه المحاضرة: (وسطية أهل السنة والجماعة) وقبل هذا الموضوع، هنا وقفة:

إن الله عز وجل خلق الموت والحياة، وهما خلقان من خلقه سُبحَانَهُ وَتَعَالى، قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الملك:٢] فما دام أن الموت وارد لا محالة وواصل لا شك فيه، فعلى المسلم أن يتهيأ لهذا الموت، فإن سعادة المسلم، أن يعيش حميداً وأن يموت شهيداً.

فإما حياةٌ نظَّم الوحي سَيْرَها وإلا فموت لا يسر الأعاديا

وأخوف من يخاف من الموت هم المنافقون وأهل الشهوات، وأرباب المادة وخدام المطامع، فإنهم يخافون أشد الخوف من الموت، قال تعالى: {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [المنافقون:٤].

وأما المسلم فإنه متهيئ دائماً إن عاش ففي رضا الله، وإن مات فإلى رحمة الله: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} [التوبة:٥٢] إما الموت في سبيل الله، وإما الحياة في رضوان الله، والمستجدات في الحياة تجعل المسلم يتأمل مستقبله مع الله، ويتدبر أين يضع قدمه، ويعلم أن الليل والنهار يأتيان بالعبر، وبمقدور من الله عز وجل:

وكم من مصبح أصبح ساكناً آمناً، ثم أمسى عليه الليل في هم وغم ومصائب لا يعلمها إلا الله:

يا راقد الليل مسروراً بأوله إن الحوادث قد يطرقن أسحارا

فعلى المسلم أن يتهيأ، والتهيؤ هو أن يكون على منهج محمد عليه الصلاة والسلام وسنته، وعلى حبه وسيرته، وعلى كتاب الله عز وجل وسنة محمد عليه الصلاة والسلام.

إن الذين يخافون من الموت، إنما هم الذين يريدون أن يعيشوا الحياة فقط، قال تعالى: {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ} [البقرة:٩٦] فإذا علم ذلك، فليتمنَّ المسلمُ من الله أن يميته على الإسلام والسنة.

قيل للإمام أحمد توفاك الله على الإسلام، قال الإمام أحمد: وعلى السنة.

لأن الإسلام مجمل، والسنة هي الإسلام مفصلاً، وهذا هو الذي تمناه الصالحون، هو أن يموت الإنسان على سنة الرسول عليه الصلاة والسلام وقد حث عليه الصلاة والسلام على اتباع سنته خاصة في مثل هذا العصر الذي كثرت فيه الطوائف والملل والنحل، وأشربت القلوب الأهواء وأصبحت الفتن كقطع الليل المظلم، وأصبحت الحياة معرضة للخطر في كل وقت وساعة، بما صنعه الإنسان من دمار للبشر، فأصبح متعيناً على الإنسان أن يلاحظ سنة محمد عليه الصلاة والسلام صباح مساء.

يقول عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه: {عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ} ويقول صلى الله عليه وسلم: {من رغب عن سنتي فليس مني} وأهل سنته أولهم أصحابه، وخيرهم الخلفاء الراشدون ومن سار على منهجهم من التابعين، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

<<  <  ج:
ص:  >  >>