[موقف الصحابة من حديث الجارية]
الحديث الثاني: حديث الجارية وهو صحيح.
عن معاوية بن الحكم السلمي قال: أتيت بجارية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي صغيرة لا تتكلم, فقال لها عليه الصلاة والسلام: {أين الله؟ -سبحان الله أطفال المسلمين يعرفون أن الله في السماء، فالطفل بفطرته وتوجهه يعرف أن الواحد الأحد فوق سبع سماوات- قال: أين الله؟ فأشارت إلى السماء، فقال: أعتقها فإنها مؤمنة}.
بعض المناطقة -وهذا سؤال ورد على الجويني - يقولون: الله ليس في مكان؛ فلا هو فوق العالم ولا تحت ولا داخل ولا خارج وأنكروا أن الله سبحانه على العرش، كما قال تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥] وقال: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر:١٠] وقال: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} [الأنعام:١٨] فيقولون: إنه ليس في مكان، فقام أحد الحاضرين واسمه الهمداني، فقال: يا إمام! أخبرنا بالضرورة التي نجدها في أنفسنا أنه ما دعا أحد منا ورفع يديه إلا ويجد أن قلبه يتجه إلى السماء, أخبرني كيف أبطل هذه الضرورة؟ فأخذ يضرب على رأسه بيديه، ويقول: حيرني الهمداني! حيرني الهمداني، ونزل وهو لا يزال محتاراً هو وأمثاله، ولو أنه صلح حاله بعد ذلك.
الشهرستاني بحث عن العقيدة لكن أين بحث عنها؟!
لم يبحث عنها في الكتاب والسنة، ولا في صحيح البخاري وصحيح مسلم ولا في السنن والمسانيد, لكنه بحث عنها في كتب اليونان والمناطقة وعلماء الكلام، وفي الأخير يقول وهو في سكرات الموت:
لعمري لقد طفت المعاهد كلها وسيرت طرفي بين تلك المعالم
فلم أرَ إلا واضعاً كفَّ حائرٍ على ذقن أو قارعاً سن نادم
يقول: طفت وبحثت وما رجعت إلا بشبهات، فأين أسير؟!
رد عليه الصنعاني صاحب سبل السلام بيض الله وجهه، فقال:
لعلك يا أستاذ ما زرت أحمداً رسول العلا المبعوث من خير هاشم
فوالله لو قد زرته الدهر مرة لما كنت نهباً للنسور القشاعم
أي: لو زرته لاهتديت لكنك طلبت الهداية في غير مكانها، فأخطأت الطريق، الشاهد أن الجارية بفطرتها تقول: (الله في السماء).
يقول عمر: [[كونوا على دين العجائز وغلمان الكتاب]] دين العجائز: يعني الذين نشئوا على لا إله إلا الله محمد رسول الله, ولذلك تجد بعض الناس من حملة الدكتوراه لا يعرف العقيدة, فالعجوز خير منه في العقيدة.
عامي في قرية من القرى ابنه يدرس في الثانوي، أتى ابنه بكتاب لـ سعيد حوى رحمه الله مكتوب فيه فصل: الدليل على وجود الله وسعيد حوى يتكلم مع الملاحدة الذين ينكرون وجود الله, والطالب أخذ الكتاب والعامي هذا ما مر في ذهنه ولو مرة واحدة في حياته أن هناك قوماً ينكرون الله أبداً، قال الابن: اقرأ عليك يا أبتي، قال: أقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، الدليل على وجود الله، فرفع الأب يده وضرب ابنه كفاً على وجهه، قال: يا عدو الله تدلل لنا على وجود الله، أما تستحي؟! هذه عقيدة مثل الجبال راسخة:
وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد
فوا عجباً كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد
أعرابي بدوي يصلي في الصحراء، قالوا: لمن تصلي؟ قال: لله الواحد الأحد، قالوا: بمَ عرفته؟! قال: [[البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، فليل داج، وسماء ذات أبراج، ألا يدل على السميع البصير]].
مسلم كردي في العراق، موحد، في مزرعة يزرع البطيخ والقرع، جاءه ملحد من الشيوعية فدخل عليه المزرعة -والشيوعية انتشروا في فترة ما قبل الأربعين، يبثون مذهبهم المبني على الإلحاد- فأجلسه صاحبها عند الماء، وهذا المزارع يصلي خمس صلوات ويعتقد اعتقاداً جازماً مثل الجبال أن لا إله إلا الله، فجلس هذا المتحذلق المتأثر بثقافة الإلحاد ودعاه وقال: الخرافة التي تقول: إن الله موجود ألا تعرف أنه لا إله في الكون، فقال المزارع: أنت عاقل أم مجنون؟
قال: بل عاقل، قال: عقلك معك؟
قال: نعم، قال: تعرف من أنت؟
قال: أعرف، قال: أرجوك أن تنتظرني قليلاً وآتيك، فذهب وأتى بعصا فضرب رأسه حتى أنزل نخاعه على الأرض ودماءه، فكان هذا جزاؤه.
سبحان الله! أفي الله شك! فما لهم لا يؤمنون!
ولذلك كان عمر رضي الله عنه وأرضاه يقول: كونوا على دين العجائز.
ولو تحدثت مع شيخ كبير عن دليل القدرة وأن كل شيء بقدرة الواحد الأحد، تجده يقول: ما شاء الله تبارك الله، وقد رأيت شيخاً كبيراً في السبعين أصابه جرح في رجله فقلت: اذهب إلى المستشفى، فقال: لا.
حسبنا الله ونعم الوكيل، الله هو الذي يشافينا -مع العلم أنا نعارضه في بعض الجزئيات ونقول: الذهاب إلى المستشفى طب وطلب الطب مطلوب، وقد تداوى السلف وتعالج محمد صلى الله عليه وسلم لكن انظر إلى توكله على الله- قلت: لا بد من هذا العلاج لأنه جرح غائر في قدمك، قال: لا علاج، أتريدني أعلمك بعلاجها؟
قلت: ما هو، قال: أقوم في آخر الليل وأصلي ركعتين أسأل الله أن يشافيني، هذه عقيدة وتوكل على الواحد الأحد.