للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[فرعون لم يعرف الله في الرخاء]

فرعون الطاغية الخبيث عليه لعنة الله، وقف يقول لأهل مصر كما قال الله: {وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الزخرف:٥١] فجعل الله الأنهار تجري من فوق رأسه، أغرقه الله في البحر، فلما أدركه الغرق قال: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ} [يونس:٩٠] ما شاء الله! الآن آمنت وأسلمت، لقد ملأت الدنيا أعمالاً سيئة، ولطخت يديك بالدماء وضحكت على التاريخ، ودستَ القيم، والآن لما أصبحت في هذا المكان الضيق قلت: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ} [يونس:٩٠] مثلما يفعل كثير من الناس، تجده وقت الرخاء يتبجح على الله، ويتعدى حدوده، وينتهك حرماته، وكثيراً ما تجد بعض الشباب لا يلقي بالاً للمسجد ولا للقرآن ولا للدعوة ولا للذكر ولا يخاف الله، كلما خطر له شيء ركب رأسه؛ فإذا كسر ظهره وأصبح على السرير الأبيض في المستشفى عاد إلى الله، أين أنت وقت الرخاء.

أفي وقت الشدة تعود؟! {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت:٦٥].

يا رب عفوك لا تأخذ بزلتنا وارحم أيا رب ذنباً قد جنيناه

كم نطلب الله في ضر يحل بنا فإن تولت بلايانا نسيناه

ندعوه في البحر أن ينجي سفينتنا فإن رجعنا إلى الشاطي عصيناه

ونركب الجو في أمن وفي دعة فما سقطنا لأن الحافظ الله

فلما بلغ فرعون هذا الموضع قال: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس:٩٠] وهذا كذاب، ولو كان صادقاً لآمن وقت الرخاء، قال سبحانه وتعالى: {آلْآنَ} [يونس:٩١] ما عرفت الله إلا اليوم {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} [يونس:٩١ - ٩٢] ولذلك رماه البحر، فأخرج جثته، وما زالت جثته إلى اليوم في أحد المتاحف هناك، فلا تأكله الأرض، ليكون عبرة لكل من ينظر، لكن الذي يحفظ الله في الرخاء يحفظه الله في الشدة، إذا ضاقت عليك الضوائق وأتت عليك المصائب وكنت في الرخاء تذكر الله وتقوم بحدود الله؛ ينجيك الله ويجعل لك مخرجاً.

فامسك يديك بحبل الله معتصماً فإنه الركن إن خانتك أركان

<<  <  ج:
ص:  >  >>