للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الوصية بمراقبة الله]

أيها المسلمون: ويستمر السياق، ويأتي لقمان عليه السلام ليقرر لابنه قضية أن الله يعلم الغيب، وأن الله يطلع على السرائر، وأن الله لا تخفى عليه خافية، وأن الله عز وجل قريب من العبد، وأن الله بعلمه سبحانه وتعالى وبشهوده وبحسابه وباطلاعه مع العبد، وهذا تقرير العقيدة وتقرير التوحيد، قال: {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} [لقمان:١٦] يقول: يا بني! إذا تسترت وراء الجدران فالله معك، إذا تسترت بالحيطان فالله يراك.

وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الظغيان

فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني

جلس صفوان بن أمية مع عمير بن وهب تحت ميزاب الكعبة في الحرم في مكة، والرسول عليه الصلاة والسلام في المدينة، وكان آنذاك صفوان وعمير كافرين ومشركين بعد معركة بدر، قال صفوان: يا عمير بن وهب! أما ترى ماذا فعل محمد بنا في بدر، قتل آباءنا وإخواننا وأقاربنا فما رأيك؟

فقال عمير بن وهب: والله -أو أقسم بآلهته- لو وجدت من يقوم بأهلي وأطفالي لذهبت إليه في المدينة فقتلته.

قال صفوان - وهم تحت الميزاب ما معهم إلا الله-: أنا أقوم بأهلك وأطفالك وأزواجك، الهدم هدمي والدم دمي والحياة حياتي.

فأخذ عمير سيفه، فحشاه بالسم شهراً كاملاً، حتى أصبح السيف أزرق، ثم ذهب إلى المدينة، فلما دخلها دخلها بعد صلاة العصر وسيفه معه، فرأى عمر عمير بن وهب أقبل يريد المسجد، والرسول صلى الله عليه وسلم بين الصحابة في المسجد، وليس عند الرسول صلى الله عليه وسلم سيف ولا رمح ولا حراسة.

عناية الله أغنت عن مضاعفة من الدروع وعن عال من الأطم

وإذا العناية لاحظتك عيونها نم فالحوادث كلهن أمان

{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:٦٧] أي: يحفظك.

فرأى عمر رضي الله عنه عمير بن وهب مقبلاً، فرأى في عيونه الشيطان، فأخذه عمر بتلابيبه ومحاميل سيفه بيد واحدة -وكان عمر قوياً، قوة الإيمان- وأدخله المسجد عند الرسول عليه الصلاة والسلام، فأجلسه صلى الله عليه وسلم للتحقيق:

و

السؤال

يا عمير بن وهب! ماذا قدم بك؟

الجواب

قدمت لأفدي الأسارى الذين عندك، يعني آخذ بمالي الأسارى الذين أسرتهم في بدر وهذا الكلام كذب.

قال عليه الصلاة والسلام: لا والذي نفسي بيده! لقد جلست في يوم كذا أنت وصفوان بن أمية تحت ميزاب الكعبة فقال لك: كذا وكذا وقلت له: كذا وكذا، أليس كذلك يا عمير؟

قال عمير: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله.

<<  <  ج:
ص:  >  >>