أما الحديث الذي معنا في هذا الدرس، فإنه حديث بشرى، يزف لكل مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر.
والرسول عليه الصلاة والسلام كان كلما أرسل داعية، أو أرسل معلماً، أو مربياً، قال:{بشروا ولا تنفروا، ويسروا ولا تعسروا} لأن معاذاً لو جاء إلى اليمن رضي الله عنه وأرضاه وأمثاله، فقال: ويل لكم من نار تلظى لا يصلاها إلا الأشقى.
ويل لكم من الله الذي سوف يأخذكم أخذ عزيز مقتدر، مالكم لا تبكون؟! أتضحكون؟! لنفر الناس من الإسلام ولما دخلوا في دين الله، وهذا مجرب، وأنا كطالب عالم -أو طويلب علم- أرى أن من الحكمة أن يقرن الرجاء بالخوف، وأن تخصيص جلسات للخوف مطلقاً إنما هو إرهاب للفكر المسلم، بل لا بد من إقران الخوف بالرجاء.
دخل الفرنسيون الجزائر وحطموا منارات الإسلام في الجزائر، وقام أحد علماء الجزائر - p=١٠٠٠٥٠٧>> عبد الحميد بن باديس - ليخاطب شعب الجزائر ليردهم بالخوف من الله عز وجل حتى يتركوا الخمور والزنا والربا، فلما سمعوا هذا الكلام يئسوا من رحمة الله عز وجل، وقنطوا وزادوا في المعاصي، فعاد فدعا الله عز وجل، ما هو المفتاح لقلوب الجزائريين حتى يعيدهم إلى الله، فتذكر أنه لا يوجد مفتاح إلا الرجاء في رحمة الله، ثم قال كلمته المشهورة على المنبر في جنوب الجزائر:
شعب الجزائر مسلم وإلى العروبة ينتسب
من قال قد هودته قلب الحقيقة أو كذب
أو كما قال، ثم قال: شعب الجزائر لا يعود إلى الله إلا بالرجاء، فأتى بأحاديث التوبة، ومثل هذا الحديث في الرجاء، فلما سمع الناس أن هناك رباً رحيماً غفوراً وأنه يقبل توبة العبد، ويغفر له؛ دخلوا في دين الله أفواجاً، وما هي إلا سنة واحدة حتى قدموا مليوناً من القتلى، وسحقوا فرنسا بكبريائها وعتوها وغطرستها في الأرض، وأخرجوا المستعمر من بلادهم.