[قصص عن السعادة]
أعرف رجلاً عابداً زاهداً في قرية في جهة نجد له مزرعة، وله بعض الغنم، ومن مسجده إلى بيته، عنده المصحف، ويتنفل، ويصوم، ويعبد الله في سعادة ما سمع بها الناس، وفي نور من الله، كلامه يقودك إلى الجنة، يقولون: يقوم قبل الفجر بساعتين وهمه القرآن، إن مات فإلى جنة - إن شاء الله- وإن عاش عاش سعيداً، لم يصبه القلق من الحشود على الحدود، ولا من التهديدات الدولية، ولا من القوات في الخليج، وإنما يعيش القرآن، وطريق الجنة والصيام والاستغفار، وهو قليل الخلطة بالناس، لا يسمع غيبة، ولا تمر به الشيكات السياحية، ولا كلمة الدولار، ولا التضخم المالي، ولا قلة الموارد الغذائية، ولا مشكلة تلوث البيئة، ولا غير ذلك.
وعندنا تاجر شهير في البلاد، عمل عملية في مستشفى في جدة - وجد الأطباء أن عنده سوء تغذية، ووجدوا أن أمعاءه التصقت، وسئل أنه كان يتغدى غداءً خفيفاً، كان يتغدى فولاً وجبناً، والناس يتغدون لحماً وأرزاً، الفقراء الآن الواحد منهم ربما ضحى بدجاجتين في الغداءً سمطاً، ولكن أهل رءوس الأموال أكثر الناس قلقاً، كارنيجي يقول: إن أكثر الناس قلقاً هم أهل رءوس الأموال، لأنه لا يفتأ يفتح السجلات، وعنده تلفونان يتصل بهما، ولا يأتي أهله إلا في ظلام، أو بعد الواحدة، أو الثانية فينام، ثم يصحو متأخراً، فكأنه مبرمج يجمع ويحسب ويسجل ويكتب ويتصل، ونسي نفسه حتى أصيب بسوء التغذية، ولو علم أن المال القليل.
ولست أرى السعادة جمع مالٍ ولكن التقيَّ هو السعيدُ
وكان أحد الصالحين يقول:
ماءٌ وخبزٌ وظلُّ ذاك النعيم الأجلُّ
كفرت نعمة ربي إن قلت أني مقلُّ
ودخلوا على عالم من علماء العراق فوجدوه يفطر في الصباح، ثم لا يبقى عنده في البيت شيء، عنده خبز وزيتون وماء، قالوا: هذا طعامك الدهر؟!
قال: الحمد لله، زيتون من زيتون الشام -انظر شكر النعمة- وماء من ماء دجلة، وخبز من خبز العراق، فمن أنعم مني في الناس؟!
إن السعادة ليست في هذا التطور الذي يعيشه الإنسان.
وكم رأينا من الناس من باستطاعته أن يغير كل يوم سيارة، باستطاعته أن يركب كل يوم سيارة غير الأخرى، ولكن تجد على وجهه من الغضب والحزن ما الله به عليم، وعلمنا وتيقنا أنه -والله- من أراد السعادة، فلن يجدها إلا في طاعة المولى، وفي العمل الصالح، وفي النور الذي أتى به الرسول عليه الصلاة والسلام.
بحثوا عن السعادة في المنصب، وكان أعظم منصب في الدنيا منصب فرعون، ولكن قتله منصبه، فالذي أدخله البحر منصبه، والذي دكدكه تحت الماء منصبه.
وقارون بحث عن المال، وجمع المال، وأصبح أغنى رجل في العالم، ومهما حاول الناس -الآن- أن يتقدموا في جمع الأموال، فلا يستطيعون أن يصلوا إلى ما وصل إليه قارون: {مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ} [القصص:٧٦] أي: المجموعة من الرجال لا يحملون المفاتيح، فكيف بالخزينة، إذا أرادوا أن يفتحوا الباب، أتى ثمانية يحملون المفاتيح، فكيف بما وراء الباب؟
كان كالجبال من الذهب، وهذا لا تملكه الدول ولا الشعوب، ومع ذلك كان ماله سبب فقره وخزيه، ولما قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ} [القصص:٨١] فالميزانية وبيت المال معه، والشرف رد أبا جهل وألحقه بالخاسرين.
صاحبنا هذه الليلة عجيب، وفي حياته طرف وغرائب، وفيها ما يدهش، وأنا اخترته عمداً، لنعيش معه قليلاً، ونسمع لآرائه في الحياة.