وعباد الله الصالحين ابتلوا في حياتهم بمصائب، فمنهم من ابتلي بالمال ففقد ماله، والله عز وجل يلطف بأقداره إذا حكم على عباده بها، فما على العبد إلا التسليم، ومنهم من أصيب في عقله بمصيبة، فذهبت بعقله، فبقي أبلهاً مصروعاً مبهوتاً، ومنهم من أصيب في جسمه، فأبطلت بعض حواسه أو أعضائه، ومنهم من أصيب بابنه، إما ضل، أو مات، أو ذهب عنه ولم يعد -كما سيأتي- ومنهم من أصيب بعرضه، واتهم تهمة وهو منها براء، وهي لا تليق به، ولا يليق بها، فصبر واحتسب، وسوف أعرض للصبر مع الأشخاص، وكان إلقاء الحديث سرداً على طريقة السلف الصالح، كما ذكر ذلك الشاطبي في الموافقات، وفي هذا العصر اهتم الناس بالتبويب والترتيب والصبر والحصر.
إذا عُلم ذلك فإن الله قص قصص الصابرين ومدحهم، وقال جل ذكره في سورة البقرة:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ * وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}[البقرة:١٥٣ - ١٥٥] ومن هم الصابرون؟ {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}[البقرة:١٥٦ - ١٥٧].
واختلف أرباب السلوك أو التربية في تعريف الصبر، فقال أحدهم: هو أن يقطع جسمك وأنت تتبسم، تلذذاً بقضاء الله، وقال الآخر: هو أن ترضى بما رضي به الله لك، فأحبه إلى الله أحبه إليك:
إن كان سركم ما قال حاسدنا فما لجرح إذا أرضاكم ألم
وقال الثالث: هو أن تحتسب الأجر أعظم مما فاتك من العافية، إذا علم هذا فإن الله عز وجل يقول في محكم كتابه:{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}[الزمر:١٠] والله عز وجل يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[آل عمران:٢٠٠].