[وصف الزهرة لأبي نواس]
أيها الإخوة! شكا إلي بعض الإخوة وقال: ما أتيت بشعر يرقق القلوب، فأقول: إن المقصود شيء من المرح، كما يفعل صلى الله عليه وسلم يستمع شعر العرب.
يقول أبو نواس: -وهو مسرف على نفسه وقد لقي الله بما قدم- يقولون: كان يشرب الخمر وله الخمريات، وهي قصائد طويلة، ولكن رئي في المنام وقالوا: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي وأدخلني الجنة، ورحمته وسعت كل شيء، لا إله إلا الله، إن الله لا يتعاظمه ذنب، وقد قال: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف:١٥٦] {إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} [النجم:٣٢] قالوا: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي وأدخلني الجنة، قالوا: بماذا؟ قال: بأني وصفت وردة النرجس التي مثل الرمان فقلت:
تأمل في نبات الأرض وانظر إلى آثار ما صنع المليك
عيون من لجين شاخصات بأحداق هي الذهب السبيك
على قضب الزبرجد شاهدات بأن الله ليس له شريك
يقول: في سكرات الموت قبل أن يموت جلس على الفراش يبكي ويقول:
لهونا لعمر الله حتى تتابعت ذنوب على آثارهن ذنوب
فيا ليت أن الله يغفر ما مضى ويأذن في توباتنا فنتوبُ
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة ولا أن ما تخفيه عنه يغيب
يقال: إن الإمام أحمد لما سمع قوله:
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب
قام فأغلق على نفسه الباب، وظل يبكي حتى سمع بكاؤه من خارج البيت، وهو يقول:
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب
وفي هذا المعنى يقول الأندلسي:
وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان
فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني
وهي من أجمل الأبيات
ويقول شاعر عربي:
فليست عشيات اللوى برواجع عليك ولكن خل عينيك تدمعا
بكت عيني اليمنى فلما زجرتها عن الجهل بعد الحلم أسبلتا معا
يقول: هذه العيون مشكلة، بكت اليمنى وصبرت اليسرى، فقلت لليمنى: استحي وانظري إلى أختك اليسرى فإنها لم تبك، فبكت اليسرى معها:
بكت عيني اليمنى فلما زجرتها عن الجهل بعد الحلم أسبلتا معا