لماذا كانت النوافل سبباً للمحبة
لقد تقدم جزء من الجواب، والسبب في أن النوافل سبب للمحبة؛ لأنها تؤتى باندفاع وبحب وباشتياق ولا يرغمك أحد عليها, وبعض الناس يصلي في المسجد -نسأل الله العافية- إما مداراة للناس، وإما مجاملة لأهل الحي، وإما لأنه يخاف من الإمام والمؤذن أن يرفعه أو الهيئة، أو يخاف من السلطان أن يبطحه ويجلده فيصلي مع الناس, لكن يظهر هذا في النوافل, لا تجده يتنفل في المسجد, إذا سلم الناس كأنه طائر في قفص يخرج متضايقاً، فهو يحسب هذه الدقائق ولا يحسبها في أماكن اللهو واللغو واللعب, وبإمكانه أن يجلس جلسة سافرة ساحرة ماكرة الساعات الطويلة، يتمايل مع الأعواد، يأخذ النغمات، ويستنشق الفرح الذي ليس هو بفرح ولكنه حزن ولا يمل, لكن إذا حضر في المسجد كان آخر من يدخل وأول من يخرج، فإذا سلم الإمام يذهب ولا يتنفل, فهذا علامة على أنه ليس محباً.
أما المحب فهو الذي يتنفل, فكانت النوافل سبباً في محبة الله, فلذلك تجده يتنفل كثيراً وتجده يأتي مع الأذان أو قبل الأذان, يقول عدي بن حاتم كما في كتاب الزهد للإمام أحمد: والله ما أذن المؤذن إلا وأنا متوضئ والحمد لله، وهذا من باب قوله تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى:١١] وذكروا أن أحد السلف كان يعمل نجاراً فكان يرفع المطرقة فإذا سمع (الله أكبر) تركها وأسقطها وراء ظهره ولا يطرق بها مرة ثانية.
وعائشة رضي الله عنها تقول: {كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتكلم معنا ويكون في مهنة أهله ويقطع مع أهله اللحم، فإذا سمع (الله أكبر) قام كأننا لا نعرفه ولا يعرفنا}.
وكان كثير من السلف يقومون ويأتون المسجد في الغدوات، ويؤذن للصلاة وهم في المسجد، ولذلك ضيوف الرحمن يأتون على قدر منازلهم.
وقال أهل الأثر: الناس يوم القيامة في المنازل كمنازلهم في المسجد.
يقول ابن مسعود: [[اللهم لا تسبقني بأناس كثير في الجمعة, فاغتسل وتأخر قليلاً حتى سبقه ثلاثة, فدخل هو الرابع, فقال: رابع أربعة، وما رابع أربعة من الخير ببعيد]] قال تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ} [المدثر:٣٧] يتقدم في الخير ويتأخر عن الخير.
ولذلك نحن نقيس هذه الأعمال أو محبة الناس لله عز وجل بأعمالهم الظاهرة، قال تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة:١٠٥].