ومن المعوقات أيضاً: قلة الصبر أمام المغريات، فنحن أمام جبهات كثيرة محاربة للإسلام لا يعلمها إلا الله، قارن الآن بين شابين اثنين! شاب يعيش في عصر الصحابة، وشاب يعيش في القرن الخامس عشر الذي نعيش نحن فيه.
شاب يسكن مدينة الرسول عليه الصلاة والسلام، جيرانه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وأبو هريرة وحسان بن ثابت وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل، خطيبه محمد صلى الله عليه وسلم، وإمامه في الصلاة محمد صلى الله عليه وسلم، جبريل يتنزل بالوحي صباح مساء، الأمة كلها في مجملها وفي مجموعها تحب الله ورسوله والدار الآخرة، فليس هناك مغريات ولا شهوات ولا نزوات، وبين شاب آخر يعيش الآن في انقطاع من الوحي، وبعد من السلف الصالح، وجيرانه من كل حدب وصوب، ويواجه في المجتمع وفي المجالس من يستهزئ بالدين صراحة، ويسخر به، ويغمز عينه عليه، ويلمزه في وجهه وفي قفاه، ويمر وأمامه المجلة الكالحة العارية والصورة الخليعة والفيديو المهدم، والأغنية الماجنة، والضياع، وجلساء السوء، والشرق يرمي عليه بحلف وارسو الإلحادي الوثني، يرمي عليه بالحداثة وبالزندقة وبالإلحاد، والغرب يرمي عليه بالكأس والمرأة، فكيف ينجو؟
هذا صراع رهيب، فأمام ذلك كله ليس للعبد وخاصة الشاب إلا الصبر، قال تعالى:{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ}[السجدة:٢٤] فيعلم أن النصر مع الصبر، وهذا الصبر يكمن في مثل غض البصر، ومقاطعة جلسات السوء، كيف تحكم على شاب أنه يريد الهداية وهو إلى الثانية ليلاً في المقهى يلعب البلوت، متى كنا أمة بلوت؟!
يوم ضيعنا القدس وضيعنا أفغانستان وأسبانيا والأندلس.
متى كانت مهمتنا في الحياة أن نسهر على هذا اللعب، ويسهر جيلنا على هذا الضياع؟!
من الذي سمح لنا وقد كلفنا الله أن نرفع دينه في الأرض، أن نفعل هذه الأفاعيل؟ كان شباب محمد صلى الله عليه وسلم في الليل عباداً، وعند لقائهم لعدوهم من أشجع الأبطال، كما قال الشاعر:
عباد ليل إذا جن الظلام بهم كم عابد دمعه في الخد أجراه
وأسد غاب إذا نادى الجهاد بهم هبوا إلى الموت يستجدون رؤياه
يا رب فابعث لنا من مثلهم نفراً يشيدون لنا مجداً أضعناه
{إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً}[الكهف:١٣] قال المفسرون: لم يزدهم الله الهدى حتى آمنوا بالله، وقال غيره في قوله سبحانه وتعالى:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}[العنكبوت:٦٩] قال: بدءوا بالهداية فهداهم الله سبله.