[حياته قبل التوبة]
هذا الرجل كان يعمل جندياً -حارساً- يتولى نوبته ببندقيته لكنه لا يعرف الله، يقول: مرت بي تلك الفترة والله ما سجدت لله سجدة إلا رياءً ومجاملة للناس.
كانت تمر به الأشهر الطويلة لا يغتسل من الجنابة لا يركع ركعة لا يتلو القرآن لا يذكر الواحد الديان شاردٌ عن الله ميت بمعنى الكلمة.
ليله يسهر مع الغناء الماجن، مع رفقة السوء، مع شلل الإجرام، مع عصابات التمزق والفشل والانهزام، مع الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً.
فإذا أدركه النوم؛ نام بلا طهارة كالجثة الهامدة، ميت، لا يعرف مواقيت الصلاة؛ لأنه لا يصلي، وإذا استيقظ استيقظ متى يريد بلا طهارة، بلا ذكر بلا وضوء بلا عبادة.
نهاره ذهابٌ وإياب يوم يترك نوبته في الحراسة، والعجيب في أمره! أنه قوي البنية؛ لكنه ضعيف القلب آنذاك، صلب المراس لكنه مهزوم الإرادة، متحرك الأعضاء لكنه فاني العزيمة والإقبال على الله تبارك وتعالى.
كان يُشْعِل السيجارة بعد الأخرى، وإذا رأى أهل التدين والالتزام استهزأ بهم، يرى أن الإسلام رجعية، وأن الدين تخلف، وأن السنة سخف، وطالما زاره بعض الدعاة مما رأوا من إجرامه وفساده ووعظوه وحذروه وأنذروه، فكان يردد كلمته المشهورة: كفرٌ صراحٌ ولا دينٌ مُخَشْخَش؛ يعني: نفاقٌ صلبٌ عَمْدٌ وفجور، ولا دين أتلبس به أمام الناس.
قاطَع والدَيه؛ وهما على بعد ثلاثمائة كيلو متر منه هجرهم، وسبهم، وشتمهم، كان يجلس مع رفقته فيستهزئ بالصالحين، ويستهزئ بالسنن، ولا إله إلا الله كم يتمرد القلب على الله إذا لم يعرفه! ولا إله إلا الله كم يهدم كيان الإنسان إذا لم يهتدِ هذا الإنسان! {قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ * مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ} [عبس:١٧ - ٢٠] {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ * فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} [البلد:٨ - ١١] {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ} [الانفطار:٦ - ٧] {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} [الإنسان:١ - ٣].
واستمرت السنوات بعد السنوات وهو يعيش في ظلام، كما يعيش اليوم كثير من الشباب المعرضين عن الله؛ يأكلون، ويشربون، ويطبِّلون، ويزمِّرون، ويرقصون؛ لكنهم لا يعرفون الله.
مساكين! الذين يتصورون أن الحياة دفٌ، وطبلٌ، ونايٌ، ووتر.
مساكين! الذين جعلوا الحياة لذةً، وشراباً، وأكلاً كالبهائم.
مساكين! الذين ما عرفوا حلاوة الإيمان، وطعمه ولذته.
واستمرت الليالي والأيام بهذا الرجل وهو في حراسته يحمل بندقيته، يسمع النداء الخافق العالي بالأذان فلا يجيب داعي الله، ويرى الصالحين يتوجهون إلى المسجد فلا يشاركهم أبداً.