[حال عمر عند الاحتضار]
وضعوه في البيت، وأحضروا له مخدة، فنزعها، وقال: [[ضعوا رأسي على التراب لعل الله أن يرحمني]] ومرغ وجهه بالتراب، وهو يبكي ويقول: يا من لا يزول ملكه! ارحم من زال ملكه.
من الذي لا يزول ملكه؟
إنه الواحد الذي يقول: {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عليهَا} [مريم:٤٠] والذي يقول: {كُلُّ مَنْ عليهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} [الرحمن:٢٦ - ٢٧] والقائل: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص:٨٨].
يقول عمر: أنا يا ربِ خلعت اليوم! أنا يا ربِ ذهبت! أنا يا ربِ عبد أتيت! زال ملكي، وملكك لا يزول فارحمني!!
وسلاطينهم سل الطين عنهم والرءوس العظام صارت عظاماً
قال عمر: أدخلوا علي أطفال المسلمين، يريد أن يودع الرعية، وقد أكمل الصلاة بحمد الله، فشرب لبناً فخرج اللبن من جوفه، قال: الله المستعان! أدخلوا علي أطفال المسلمين، فدخل الأطفال يبكون، لمن يبكون؟ يبكون الوالد والزعيم العادل والأب الحنون! فقبلهم واحداً واحداً ومسح على رءوسهم، ودخل الشباب فحياهم ورأى شاباً في ثوبه طول، وعمر في سكرات الموت، دمه يخرج من بطنه وأضلاعه، فيقول: [[تعال يابن أخي! فيأتِ الشاب]] من منا يستطيع أن يتكلم في إسبال الإزار، وروحه تقعقع في صدره؟!
يقول أحد الفضلاء: أمير المؤمنين يأمر بالمعروف وينهى المنكر وهو في سكرات الموت، فقال: [[تعال يابن أخي! ارفع إزارك]] أي: قصر ثوبك، أمة كل دينها لباب، فليست الثياب من القشور، ولا اللحى من القشور، ولا الغناء من القشور، بل كله لباب، قال: [[ارفع إزارك، فإنه أتقى لربك وأنقى لثوبك]] فذهب الشاب وهو يبكي لموت عمر.
ودخل علي بن أبي طالب؛ ليُلقي آخر كلمة أمام عمر: كلمة الوداع، كلمة ما رأيت أصدق منها إذا ودع الحبيب حبيبه.
اتكأ علي بن أبي طالب على عبد الله بن عباس، وأخذت دموع علي تفيض ويقول لـ عمر: [[يا أمير المؤمنين! فقال عمر: لستُ للمؤمنين اليوم بأمير.
ذهبت الإمارة، قال: يا أبا حفص! والله! لطالما سمعت الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: جئت أنا وأبو بكر وعمر وذهبت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر فأسأل الله أن يحشرك مع صاحبيك، قال عمر: يا ليتني أنجو كفافاً لا لي ولا علي]].
وقد عزاه الناس، ثم أخذ يقول: [[الله الله في الصلاة!]] وترك الخلافة في الستة الذين بقوا من العشرة المبشرين بالجنة.
وحملوا جثمانه ليدفن إلى جوار صاحبيه.