[الترهيب من النار]
المسألة الثانية: الترهيب من النار، مهما وصف الواصفون فوالله لا يأتون على وصف النار، ومهما حسبوا، ومهما نسبوا إن أجسامنا لا تقوى على النار.
كان عمر بن عبد العزيز الخليفة إذا ذكر النار أغمي عليه على المنبر، وكان عمر رضي الله عنه كما قالت عاتكة زوجته لما سئلت: كيف كان ليل عمر؟ قالت: ما كان ينام كما ينام الناس، عنده ماء بارد فإذا اقترب منه النوم غسل وجهه ثم ذكر الله، فإذا أغفى إغفاءة غسل وجهه وذكر الله، ثم إذا انتصف الليل توضأ وقام يصلي حتى الفجر، قالت له زوجته: لو نمت يا أمير المؤمنين! أمتعب في الليل ومتعب في النهار؟! قال: [[لو نمت في النهار لضاعت رعيتي، ولو نمت في الليل لضاعت نفسي]] رضي الله عنه وأرضاه، ولذلك سعد في الدنيا والآخرة، ويروى أن الرسول عليه الصلاة والسلام رأى عمر عليه ثوب أبيض قال: {البس جديداً، وعش حميداً، ومت شهيداً} فلبس جديداً، وعاش حميداً على فطرة الله التي فطر الناس عليها، وعلى الإسلام، ومات مطعوناً شهيداً.
قال عدي بن حاتم الطائي والحديث متفق عليه {قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: استعيذوا بالله من النار، ثم قال: اتقوا النار، ثم أشاح بوجهه عليه الصلاة والسلام ثم قال: اتقوا النار، ثم أعرض بوجهه وأشاح، قال: اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة}.
يا أيها المسلمون! شق التمرة، الريال، الدرهم، البسمة، المنفعة، كلها صدقة ووقاية من النار، من أراد أن يجعل بينه وبين النار وقاية فالعمل الصالح: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [البقرة:٢٨١] فالاتقاء أن تجعل شيئاً من العمل يقيك عذاب الله وغضبه ولعنته.
وقال أبو هريرة -والحديث متفق عليه- قام رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الصفا، لما أنزل الله عليه: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء:٢١٤] فنادى عليه الصلاة والسلام بطون مكة: يا بني عبد مناف! يا بني هاشم! يا بني عبد المطلب! يا عباس عم رسول الله! يا فاطمة بنت محمد! ناداهم بطناً بطناًَ، وقرابة قرابة، فاجتمعوا فقال: {إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، يا بني عبد مناف! أنقذوا أنفسكم من النار لا أغني عنكم من الله شيئاً، يا بني عبد المطلب! أنقذوا أنفسكم من النار لا أغني عنكم من الله شيئاً، ثم قال: يا عباس! أنقذ نفسك من النار لا أغني عنك من الله شيئاً، يا فاطمة بنت محمد! أنقذي نفسك من النار لا أغني عنك من الله شيئاً} ثم قال أبو لهب: تباً لك! ألهذا دعوتنا؟ فأنزل الله: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} [المسد:١ - ٥].
وأما قوله عليه الصلاة والسلام عند مسلم من حديث ابن مسعود {يؤتى بالنار يوم القيامة لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك} تصور النار تقاد بسبعين ألف زمام والزمام لا يعلم قوته إلا الله، وهي تموج وتهيج على الناس في الموقف، يحطم بعضها بعضاً وتتميز من الغيظ، وتسطو على الناس في الموقف فيفر منها الناس، ومع كل زمام سبعون ألف ملك فكيف بها؟! نعوذ بالله من النار، وأما أبواب جهنم فصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {الجنة لها ثمانية أبواب والنار لها سبعة أبواب} رواه أحمد بسند صحيح.
فهذه حكمة بالغة أن جعل الله للجنة -كما سلف- ثمانية أبواب، ورضوان خازنها، وجعل للنار سبعة أبواب ومالك خازنها يقول أهل النار: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} [الزخرف:٧٧] وقد مر معنا أن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين سنة، ويأتي عليه يوم وهو كضيض من الزحام، نسأل الله من فضله.
وأما النار فسبعة أبواب، لا يعلم ما بين المصراعين إلا الله، فلهذه ملؤها ولهذه ملؤها، حكمة بالغة من الواحد الأحد، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {الجنة لها ثمانية أبواب، والنار لها سبعة أبواب} رواه أحمد بسند صحيح.
وعلى كل باب -في الصحيح- خزنة وحجاب وحراس في الجنة والنار، وورد أن النار لما ذكر سبحانه عليها تسعة عشر، قال أبو جهل: أنا أكفيكم بعشرة واكفوني بتسعة، عليه لعنة الله، وقد قال الله بعدها: {لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ * وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً} [المدثر:٢٨ - ٣١] فقال: ليسوا ببشر وإنما ملائكة، الواحد منهم قد يحيط بالناس، وقال أبو جهل: أتدرون ما هو الزقوم؟ قالوا: لا ندري، قال: التمر والزبد -التمر والدهن- عليه لعنة الله، فيقول: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان:٤٩] يقول: ذق من هذا التمر والزبد، إنك أنت العزيز الكريم، قال: أتدرون ماذا يمنينا محمد؟ قالوا: نعم.
قال: سحر، فيرده الله على وجهه إلى النار ويقول له: {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ} [الطور:١٥] أهذا هو السحر أم لا؟