[من أسباب الهداية التدبر في آيات الكون]
كل شيء في الكون تتدبره ونتفكر فيه.
بك أستجير ومن يجير سواكا فأجر ضعيفاً يلتجي بحماكا
أذنبت يا ربي أصابتني ذنوب ما لها من غافر إلاكا
إبليس يخدعني ونفسي والهوى ما حيلتي في هذه أو ذاكا
هذا شاعر السودان يعلن الإيمان في قصيدته لأن بعض الناس يدخل الجنة بالشعر, وبعضهم يدخل النار وهو يسمع القرآن, ثم أتى يتحدث وقد ذكرتها أكثر من عشرات المرات لكنها جميلة:
قل للطبيب تخطفته يد الردى من يا طبيب بطبه أرداكا
وأحد شعراء اليمن واسمه ابن دريد
يا ظبية أشبه شيء بالمها ترعى الخزامى بين أشجار النقا
وابن دريد هذا عقلية فياضة، لغوي وإن أسرف في اللغة, جلس يتعلم في اللغة حتى أسرف وتجاوز الحد ولو فرغ هذا الجهد في القرآن والسنة لكن أحسن, له زميل له اسمه نفطوية , كانا يتحاسدان فألف ابن دريد كتاب الجمهرة , قال نفطوية: ابن دريد بقرة ألف كتاب الجمهرة! فرد عليه ابن دريد قال:
أحرقه الله بنصف اسمه وجعل الباقي عويلا عليه
حيث إن اسمه: "نفطويه"! ونفط: هذا الديزل والبنزين المعروف فيقول: يحرقه بهذا وجعل الباقي "ويه" عويلاً عليه.
فأتى ابن دريد بقصيدة مشرقة فيها حكم يقول:
يا ظبية أشبه شيء بالمها ترعى الخزامى بين أشجار النقا
والناس ألف منهم كواحدٍ وواحدٌ كالألف إن أمر عنا
ثم يقول في القصيدة:
وإنما المرء حديث بعده فكن حديثاً حسناً لمن وعى
يقول: أنت بعد موتك ستكون حديثاً فكن حديثاً حسناً, فاستهزأ به نفطوية وعارضه بقصيدة هزلية يقول فيها:
وحمل بر من حمول تستر أفضل للمسكين من حمل النوى
يقول: من حمل على الجمل براً أفضل له من أن يحمل عجم الفصم هذا!
من دخلت في عينه مسلة فاسأله من ساعته عن العمى
من طبخ الديك ولم يذبحه فر من القدر إلى حيث انتهى
الشاهد أنه جاء رجل من أهل اليمن مؤمن موحد, ذكر عنه أنه كان يستسقي للناس فما يعودون من المصلى إلا والغيث يبلُّ ثيابهم, ويقولون: ترك هذا اللعب والتغزل وأتى بقصيدة اسمها "منظومة التوحيد" استطلعها قال:
سبحان من يعفو ونهفو دائماً ولم يزل مهما هفا العبد عفا
يعطي الذي يخطي ولا يمنعه جلاله عن العطا لذي الخطا
من أحسن الظن بذي العرش جنى حلو الجنى الشائك من شوك السفا
إلى أن يقول:
لا بد أن ينشرنا كما زوى جوداً وأن يمطرنا كما ذوى
لطائف الله وإن طال المدى كلمحة الطرف إذا الطرف سجى
يقولون: ألقى هذه في صلاة الاستسقاء، فعاد الناس والغيث على رءوسهم يسكب سكباً, علم الله تلك القلوب كيف أشرقت بحبه ووصلت إليه, وهو الذي يريده صلى الله عليه وسلم من القلب وهو أن يتعرف على الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى, الذي أنا قلت: من أسباب الهداية الكتاب والسنة والثاني: التأمل في آيات الكون، في الزهرة وفي النحلة، وفي لمعة الضياء، وفي الماء، قال تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} [يوسف:١٠٥] كم نخرج إلى النزه؟ كم نجلس في الرحلات في الحدائق الغنَّاء؟ لكننا لم نتفكر فيها ولو لمحة, تنظر إلى فعل البشر ولا تنظر إلى فعل خالق البشر, تنظر إلى إبداع البشر ولا تنظر إلى إبداع رب البشر.
حتى طلاب العلم والدعاة يجلسون في حديقة من حدائق البلدية، فينظر أحدهم إلى السور ويقول: سبحان الله ما أحسن إبداعهم في هذا السور! انظر إلى الحديد كيف ركبوه! وهذه اللمبات الكهربائية، والماء كيف أجروه! وكيف ضربوا هذه البويات وأخرجوا هذا الزجاج! لكنهم لا يقولون: انظر إلى النبات، وكم أنواعها، إنها مئات الأنواع هذا أبيض، وهذا أحمر، وهذا طويل، وهذا قصير.
سبحان الخالق! قال تعالى: {وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [ق:٧] وقال: {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ} [ق:١٠] لكن من يتلذذ ومن يتفكر؟! ومن يسأل النبت من الذي خلقه وأبدعه؟! إنه الله.