[اللين واطراح الفظاظة]
الحب أمر عجيب، ونحن أمة الحب، أتدرون ما هو الحب؟ ليس هو الذي يريده أمير الشعراء أحمد شوقي الذي يقول: الحياة الحب والحب الحياة.
هذا كذب، هذا حب كوكب الشرق، وهو الذي رد الأمة عشرين سنة إلى الوراء كوكب الشرق تغني شبابنا بالحب هو الحياة والحياة هي الحب، وطائرات الميراج الإسرائيلية تغطي شمسنا
فأطفأت شهب الميراج أنجمنا وشمسنا وتحدت نارها الخطب
شجباً ونكراً وتنديداً بغارتها لله كم نددوا يوماً وكم شجبوا
هذا الحب ليس هو المقصود، وهو حب المغنين والمغنيات، والمجرمين والمجرمات، الأحياء منهم والأموات، وهو ليس مقصوداً في الإسلام، فإن الحب أعظم من ذلك، نحن رسل الحب، ونحن الذين زرعوا الحب في قلوب الناس فآتى أكله كل حين بإذن ربه، والحب عندنا حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، أما الحديث الذي يقول: {من أحب فعف فكتم فمات مات شهيداً} فهو حديث كذب، سنده ظلمات بعضها فوق بعض، إذا أخرج يده لم يكد يراها، هذا الحديث كذب على الإسلام، وإن الذي يموت على المسرح وعلى الأغنية والمجلة الخليعة وفلانة فلن يكون شهيداً أبداً كيف يكون شهيداً؟! شهيد عمالة ودجل وتخلف ورجعية.
إن الشهيد هو الذي يحب الله ورسوله كما يقول إقبال في قصيدة تاج مكة:
من ذا الذي رفع السيوف ليرفع اسمك فوق هامات النجوم منارا
كنا جبالاً في الجبال وربما سرنا على موج البحار بحارا
بمعابد الإفرنج كان أذاننا قبل الكتائب يفتح الأمصارا
لم تنس أفريقيا ولا صحراؤها سجداتنا والأرض تقذف نارا
أرواحنا يا رب فوق أكفنا نرجو ثوابك مغنماً وجوارا
إذاً هذا هو الحب، وقد استطردت في الحب لأن مفهوم الحب عند كثير من الناس، ممن يكتب في الصحافة، ويتكلم في المنتديات، مفهوم خاطئ، ما عرفوا الحب ويموتون وهم لا يعرفون الحب، ويصلى عليهم صلاة الجنازة وما طعموا الحب، ويحشرون عند الله يوم القيامة وما عرفوا الحب الحب هو أن يأتي مثل عبد الله بن عمرو الأنصاري حين قال في معركة أحد: اللهم خذ من دمي هذا اليوم حتى ترضى.
فيقتل في سبيل الله، ويكلمه الله كفاحاً بلا ترجمان.
الحب أن يأتي مثل البراء في معركة تستر ويقول: أقسمت عليك يا رب أن تنصرنا هذا اليوم؛ فينتصر ويكون أول شهيد الحب هو أن تسفك دمك لمرضاة الله الحب هو أن إذا سمعت أذان الفجر يدوي في الأرجاء قامت نفسك طليقة شجاعة إلى المسجد الحب أن يكون أعظم كتاب عندك في الحياة كتاب الله الحب أن تكون أناملك ولسانك يتمتم بذكر الله تبارك وتعالى.
إذا مرضنا تداوينا بذكركم ونترك الذكر أحياناً فننتكس
هذا هو الحب فأقول للأستاذ: إن خيطاً ليس فيه حب مع الطالب خيط مبتور ومقطوع، وإن رسالة ليس فيها لين رسالة عصا وسوط ونار وحديد، وهي من كيس استالين وماركس ولينين، وليست من كيس محمد عليه الصلاة والسلام الذي يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عنه: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:١٥٩].
كأنه يقول: عجيب هذا المنهج العظيم العملاق الذي وضعته للناس كيف كسب قلوب العرب؟! والعرب كقرون الثوم، إذا قشرت قرناً خرج لك ستة قرون، فإذا قشرت الآخر خرج لك ستة، فالعرب مثل ذلك، لا يسيطر عليهم ملك، ولا سوط، ولا سجن، ولا سيف، أمة متمردة ومشاغبة، لكنه صلى الله عليه وسلم أتى يتبع قول الله: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:١٥٩].
ويقول الله له: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:٦٣] لو دفعت الذهب والفضة ما كسبت القلوب، ولذلك أقول لدعاة الإسلام وأساتذته، والعمداء في الكليات: إن رسالتنا لا بد أن تحمل الإيمان والحب والطموح واللين للناس، ونحن لسنا مجرحين وإنما نحن دعاة، ولسنا قضاة وإنما نحكم على الناس بما ظهر، وإن الكلمة اللينة الطيبة تعشقها القلوب وتحبها النفوس.
أرأيتم أكبر من فرعون؟ أسمعتم بشيخ الضلالة؟؟ أرسل الله له موسى فقال له وهو في الطريق: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:٤٤] احذرا أن تجرحا شعوره، احذرا أن تسفكا كرامته في مجلسه، قال سفيان الثوري: القول اللين هو أن يكنيانه بكنيته، وكنية فرعون أبو مرة، مرغ الله وجهه في النار.
فأخذ موسى يقول: يا أبا مرة! أتيت بمبدأ وبشريعة وبمنهج أعرضه عليك اليوم فهل فاتتنا الكلمة اللينة ولا تفوت موسى عند فرعون؟!
دخل أعرابيٌ على هارون الرشيد فقال: أريد أن أتكلم معك بكلام شديد فاصبر عليَّ.
قال هارون: والله لا أصبر قال: ولم؟ قال: أرسل الله من هو خير منك إلى من هو شر مني، فقال له: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:٤٤].
ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى للرسول عليه الصلاة والسلام: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:٤].
كيف استطعت أن تقود القلوب؟ كيف سبيت الأرواح؟ كيف جعلت الأعداء أصدقاء؟ لأنك داعية عملاق.
حتى إن ابن سيناء الذي هو من أفراخ الصابئة وأذناب المجوس، ولو أنه قد أجاد في الطب، يقول: ما طرق العالم مصلح كمحمد عليه الصلاة والسلام.
وهذا صحيح وفي كتاب الأمريكان المسمى: عظماء العالم وضعوا في المرتبة الأولى محمداً عليه الصلاة والسلام، وقالوا: أعظم عظيم في الدنيا محمد، لأنه أصلح وبيته من طين -عليه الصلاة والسلام- ما لم تصلحه جامعات الدنيا في ثلاثمائة سنة، بل فشلت جامعات الدنيا، وشرب الخمر، وسفكت القيم، وانتهكت الأعراض، وذبح الناس، ودمرت البيوت.
من دمر البيوت في نجزاكي من ضرب اليونان بالأتراك
من قتل العمال في بولندا ومن أتى بالرق في يوغندا
من الذي ناصر إسرائيلا حتى تصب عنفها الوبيلا
أما محمد عليه الصلاة والسلام فأسلوبه لين مع طلبته.
فيا أيها الأساتذة! حبل اللين حبل عجيب، وهو السحر الحلال، وإن كان في الإسلام سحر حلال فهي البسمة، قيل لأحد العلماء: ما هو السحر الحلال؟ قال: تبسمك في وجوه الرجال.
يأتي أعرابي فيسب ويشتم الرسول صلى الله عليه وسلم، ويسحب ببردته الشريفة من على جسمه الشريف ويقول: أعطني من مال الله الذي عندك لا من مال أبيك ولا من مال أمك.
فيلتفت إليه ويتبسم ويعطيه مالاً، ويريد الصحابة قتل هذا الأعرابي، فيقول: لا.
فلما أكرمه قال: هل أحسنت إليك؟ قال: نعم جزاك الله من أهل وعشيرة خيراً.
فيعود هذا الأعرابي داعية إلى قبيلته فتسلم عن بكرة أبيها، فيقول صلى الله عليه وسلم: {أتدرون ما مثلي ومثلكم ومثل هذا الأعرابي؟ قالوا: لا ندري.
قال: كمثل رجل كانت له دابة فرت منه، فأتى الناس لمسكها وحبسها فما تزداد إلا فراراً، فقال: يا أيها الناس! دعوني ودابتي أنا أبصر بها، فأخذ شيئاً من خشاش الأرض -خضار الأرض- وأخذ يلوح للدابة فأتت فحبسها، قال: فلو تركتكم وهذا الأعرابي لقتلتموه ودخل النار}.
فأي مستوى دعويّ طرقه صلى الله عليه وسلم للناس؟! وهذا هو اللين واطراح الفضاضة وإن الذي يستخدم الفضاضة ويفرض سيطرته وقوته؛ يخسر من القلوب والأرواح ومن الأسماع والأبصار أكثر مما يكسب فلينتبه لهذا.