للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[بر الوالدين]

جعل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى حق الوالدين الأب والأم مع حقه لعظم حقهما في الإسلام يقول: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} [الإسراء:٢٣ - ٢٤].

ويقول عليه الصلاة والسلام: {كان في من كان قبلكم ثلاثة نفر ذهبوا في الصحراء، فدخلوا في مغارة، فلما دخلوا انطبقت عليه صخرة} فأصبحوا في مقام موحش مقفر، لا أنيس فيه ولا قريب، ولا سامع إلا الله الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض {فقال بعضهم لبعض: لا ينجيكم إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم} بعد أن دخلوا في الغار وانطبقت عليهم الصخرة، وأظلم عليهم الليل، وابتعدوا من الأهل والجيرة، والأصحاب والقرابة، فأتى أولهم يدعو بصالح عمله والله - عز وجل - لا يحفظ العبد المسلم إلا بصالح عمله، نقول: ما لأبنائنا يفسدون؟! ومالهم يضيعون؟ وما لأجسامنا لا تصح؟ وما لدورنا لا تعمر؟! ونحن الذين نخرب دورنا بأنفسنا وبأيدينا.

هل من المعقول أن أبناءنا ينامون ويصحون على الأغاني الماجنات؟! ملأنا آذانهم بالأغاني الماجنات -إلا من رحم الله- ثم نقول: فسد أبناؤنا!

يقول الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ} [التحريم:٦].

ففي أمور الدنيا نحزم على أبنائنا فيها، ونشد عليهم، ونحاسبهم حساباً عظيماً شديداً، لكن أمور الدين نقول: الله الهادي، ويذهب أحدنا إلى المسجد ويقول لأبنائه- بصوت ضعيف- مع صلاة الفجر: صلوا هداكم الله، فإذا أتى وهم نائمون قال: اللهم إني أديت ما عليَّ، ووالله ما أدى ما عليه، ولو أداه لأيقظهم بالقوة.

{رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ} [القصص:١٧] كما لا نرضى أن يضيعوا أموالنا في أمور الدنيا، فلماذا نرضى في حق الله عز وجل؟

فنحن السبب، فلذلك من لا يصلح نفسه ويصلح بيته، لن يهديه الله سواء السبيل يقول الله: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [الصف:٥].

دخل الثلاثة الغار، قال أولهم: {اللهم إنك تعلم أنه كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت لا أغبق عليهما أهلاً ولا مالاً - أي: لا أقدم عليهما من أبنائي أحداً في العشاء، ولا في الشرب، ولا في الخدمة- وإنه قد نأى بي طلب الشجر يوماً من الأيام، فلم آتيهما إلا بعد أن ناما فحلبت في الإناء، ثم أتيت به لأقدمه لهما، فبقيت عندهما لم أو قظهما حتى طلع الفجر وأبنائي يتضاغون عند رجلي يريدون اللبن، فلم أسقِ أبنائي، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج}.

وأتى الثاني فقال: {اللهم إنك تعلم أنه كان لي ابنة عم} هؤلاء هم الذين حفظوا الله في الغيب، بعض الناس ناسك زاهد عابد أمام الناس، لكنه إذا خلا بمحارم الله انتهكها.

وفي سنن ابن ماجة يقول صلى الله عليه وسلم: {ليأتين أقوام من أمتي يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة يجعلها الله عز وجل هباءً منثوراً، قالوا: يا رسول الله أليسوا مسلمين؟ قال: بلى، يصلون كما تصلون، ويصومون كما تصومون، ولهم صلاة بالليل، لكن كانوا إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها} فهذا الثاني يقول: {اللهم إنه كان لي ابنة عم، وكانت أحب الناس إلي، فراودتها عن نفسها فأبت حتى أتتها سنة قحط وفقر ومسكنة، ثم أتيت بمائة وعشرين ديناراً فطاوعتني، فلما جلست عندها قالت: اتق الله، ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فانكففت عنها، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك؛ فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة شيئاً قليلاً غير أنهم لا يستطيعون الخروج}.

وأتى الثالث وقال: {اللهم إنك تعلم أنه كان لي أجراء أعطيت كل واحد منهم أجره إلا واحداً ذهب مغاضباً فلم يأخذ أجره، فنميت أجره وثمرته حتى عاد فأصبح عنده من الرقيق، والإبل، والغنم، والبقر الشيء الكثير فلما أتى قال: أعطني حقي قلت: هذا حقك.

قال: اتق الله ولا تستهزئ بي، قلت: هذا حقك، قال: فأخذه ولم يترك منه شيئاً، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة وخرجوا يمشون}.

وهذا يدل على فضل بر الوالدين، ويوم يسعد الوالدان بولدهما حينها يرضى الله من فوق سبع سماوات، فوالله لا يدخل الجنة قاطع رحم.

{لما خلق الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى الرحم تعلقت بالعرش وقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة يا رب! قال: ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك، قالت: بلى.

قال: فذلك لك، فأنزلها الله في الأرض، فمن وصلها وصله، ومن قطعها، قطعه}.

<<  <  ج:
ص:  >  >>