موسى وآدم يتحاجَّان
وصح عنه صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري وصحيح مسلم وغيرهما أنه قال: {تحاجَّ آدم وموسى، فقال موسى: أنت آدم الذي خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته أخرجتنا من الجنة بمعصيتك؟} يلومه ويعتب عليه في هذه المعصية، لا على القضاء والقدر.
ولذلك يقول ابن تيمية: ويل للجبرية، ظنوا أن موسى عليه السلام قدرياً، وما كان قدرياً، فقال آدم عليه السلام: {أنت موسى الذي كلمك الله، وكتب لك التوراة بيده، وأنجاك الله أتلومني على شيء قد كتبه الله علي، بكم وجدت الله قد كتب علي هذا قبل أن يخلقني؟، قال: بأربعين عاماً، قال: فلم تلومني على شيء قد كتبه الله علي قبل أن يخلقني، فقال عليه الصلاة والسلام: فحج آدم موسى، فحج آدم موسى، فحج آدم موسى} أي: غلبه بالحجة.
ونعيش مع موسى عليه السلام في سورة طه، في أول لقاء بين الله عز وجل وبينه، لقاء الكلام مباشرة، ولم يكلم الله- عز وجل- أحداً من الناس مباشرة بلا ترجمان إلا موسى {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} [النساء:١٦٤] {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} [طه:٩].
الخطاب للرسول عليه الصلاة والسلام، فبعد أن افتتح الله السورة وأتى بكلام عجيب عن التوحيد والعقيدة، قال لرسوله صلى الله عليه وسلم: {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} [طه:٩] لا، والله ما أتاه، ومن أين يأتيه وما قرأ، وما كتب، ولا تعلم، ولا درس إذ هو أُميِّ! قال: {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ رَأى نَاراً فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً} [طه:٩ - ١٠].
لم يذكر سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في سورة طه قصة موسى -وقصته طويلة وهي منثورة في كتاب الله- كما ذكرها في سورة القصص يوم خرج إلى أهل مدين بعد أن قتل نفساً، هارباً إلى الله، وضاقت به الدنيا بما رحبت، وخوفه البشر بسوطهم وبسيفهم، ولكن:
فالزم يديك بحبل الله معتصماً فإنه الركن إن خانتك أركان
يا واهب الآمال أنت حفظتني ورعيتني
وعدا الظلوم علي كي يجتاحني فنصرتني
فانقاد لي متخشعاً لما رآك منعتني
فإذا خفت من شيء، فاعتصم بالله، وإذا دهتك من الدواهي أمور، فاعتصم بالله، وإذا ضاقت بك الحيل، فالتجئ إلى الله، وإذا كثرت عليك المشكلات والصعوبات، فرد أمرك إلى الواحد الأحد، فإنه لا ملجأ من الله إلا إليه {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الذاريات:٥٠].
وفي كتاب الزهد للإمام أحمد بسند حسن، قال: لما لقي الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عبده موسى بعد أن سقى للجاريتين وتولى إلى الظل، قال: يا رب، فقير غريب مريض جائع -يشكو حاله- قال الله عز وجل: يا موسى، الفقير من لم أكن أنا مغنيه، والغريب من لم أكن أنا مؤنسه، والجائع من لم أكن أنا مطعمه، والمريض من لم أكن أنا طبيبه ثم شرفه الله بالدعوة.