وأما مصاحبته للرسول عليه الصلاة والسلام، فلزمه كما يلزم الظل: لما هاجر عليه الصلاة والسلام من مكة إلى المدينة، كان معه في الطريق، مرة يأتي عن يمينه، ومرة عن يساره، ومرة من أمامه، ومرة من خلفه، فيقول عليه الصلاة والسلام: ما لك يا أبا بكر؟ قال: يا رسول الله أتذكر الطلب -أي: من الكفار أن يطلبوك- فآتي من خلفك، وأتذكر الرصد -أي: الكمين- فأتقدم أمامك، وأتذكر ميمنتك فآتي من الميمنة، وأتذكر مشأمتك فآتي من الشمال، فدعا له بالخير والبركة.
قال العلماء: صحب أبو بكر النبي عليه الصلاة والسلام حين أسلم إلى حين توفي، لم يفارقه سفراً ولا حضراً، وشهد الغزوات مع الرسول عليه الصلاة والسلام والمعارك، وكان رفيقه في الغار، وهو المقصود بقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى:{ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}[التوبة:٤٠] وجعل للإسلام دمه، وماله، وكل ما يملك، وكان عليه الصلاة والسلام يشيد به، ويسأل عنه إذا غاب، وقال علي في البخاري:{لطالما سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: جئت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر}.
ولما أتى صلى الله عليه وسلم يضع حجر الأساس في مسجده العامر في المدينة، وضع الحجر الأول، فانتظر الناس أبا بكر فأتى بالحجر الثاني ووضعه بجانبه، ثم عمر، فعرفوا أن الخلافة سوف تكون على هذا النسق.