للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[التكاثر بالمناصب والزينة]

ومن الناس من يتكثر في الظهور والمناصب والزينة، ويتكثر بالشهرة، وهي أمور مغروسة في الفطر، محببة إلى النفس لا يوجهها إلا الإسلام.

{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} [التكاثر:١] أيها الناس! ألهاكم التكاثر، أيها التجار! ألهاكم التكاثر، أيها النائمون! إلى متى والموت قد حضر؟!

{حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر:٢] لأهل العلم مسلكان في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: أورد ذلك ابن كثير وابن جرير منهم من قال: سبب نزول هذه الآية والسورة: أن قريشاً عددوا الأسر على كثرتهم: أسرة بني سهم، وأسرة كذا، وأسرة كذا؛ فلما عددوا الأسر قالت هذه الأسرة: نحن أكثر عدداً من تلك الأسرة، حتى قالوا: نعد أمواتنا وأمواتكم، فخرجوا يعدون الأموات في القبور، فيقول تعالى:: {حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر:٢].

والمسلك الثاني: قال المفسرون: معنى قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} [التكاثر:١] أي تكثرتم بالأموال والأولاد والزينة والشهرة والعلم حتى جاءكم الموت فأشغلكم وهذا هو الراجح والظاهر إن شاء الله.

ليس في الزيارة المعروفة الشرعية للمقابر، أو الزيارة العادية الذي يفعلها بعض الناس، لا.

إنها زيارة غير الزيارات، زيارة اضطرار.

كفى بك داءً أن ترى الموت شافيا وحسب المنايا أن يكن أمانيا

زيارة لابد أن ينتقل ويفعلها ويزاولها كل إنسان، الملك والمملوك، الغني والفقير، الكبير والصغير، الأنثى والذكر.

{حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر:٢]: زرتم ولكنها على منوالها وعلى ظاهرها، زيارة ولكنها ليست بزيارة، وهي الموت؛ زيارة على النعوش، زيارة في الأكفان، زيارة ونحن جثث نحمل على أكتاف الرجال.

وهذا تلطفٌ في الأسلوب وعجبٌ في الكلام.

{حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر:٢]: وعلى ذكر الزيارة لا نستطرد في أحكامها؛ فلها باب آخر، إن هذه الزيارة ليست الزيارة المعروفة التي تزور فيها الأموات ثم تعود إلى بيتك، إنك إذا فعلت هذه الزيارة فلن تعود إلى بيتك مرةً ثانية، إن الله عز وجل كما في الحديث القدسي يقول: {إني كتبت على نفسي أنهم إليها لا يرجعون} زيارة تفقد فيها أحبابك، وأصحابك، وأترابك، وإخوانك، وأخدانك، زيارة لن تعود إلا إلى جنة أو إلى نار، زيارة لن ترى فيها بيتك مرةً ثانية، ولا طفلك الوليد الحبيب، ولا طفلتك الوديعة الهادئة، ولا زوجتك الحبيبة، ولا بيتك ولا فراشك، زيارة تنقطع فيها عن أسباب الحياة وعن معالم الحياة.

تنبهوا يا رقود إلى متى ذا الجمود

فهذه الدار تبلى وما عليها يبيد

الخير فيها قليلٌ والشرُ فيها عتيد

والبر ينقص فيها والسيئات تزيد

فاستكثر الزاد فيها إن الطريق بعيد

<<  <  ج:
ص:  >  >>