[فائدة النوافل وحكم تركها]
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية في المجلد الثالث والعشرين من الفتاوى:
ما حكم من داوم على ترك السنن الرواتب؟
قال: فاسق ترد شهادته.
والنوافل هي عشر ركعات، وما فائدتها؟
قال أهل العلم: فائدة النوافل قبل الصلاة، أن تكون قدوماً على الله عز وجل كالهدية بين يدي السلطان، ولله المثل الأعلى، فإنك إذا أردت أن تطلب من مسئول أو رئيس طلباً ما فإنك تحضر بعض الأشياء من الهدايا وغيرها، والذي لا يملك هدايا ينظم له قصيدة عصماء وهذا هو الممدوح بها، ويطريه ويثني عليه ثم يقدم طلبه كما يفعل العرب، يأتي أحدهم بمائة وخمسين بيتاً، ويجعل للممدوح بيتين في آخر القصيدة وأما مائة وثمانية وأربعون بيتاً فيصف بها ناقته، ويصف المشارب والأرض التي مر بها، ثم يمدحه وفي الأخير يقول: أعطني.
فلله المثل الأعلى فإنك حين تدخل عليه، لا بد أن تصلي له ركعتين أو أربعاً، لتدخل عليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
وقال بعضهم: لا.
بل جعل الله السنن الرواتب ليجبر عمل العبد يوم القيامة وقيل: في القبر، فإذا نقص عمله في الفريضة، قال الله عز وجل: انظروا هل له من نافلة؟ فيُنظر فإن كان له من نافلة جبر الله كسره ونَقْصَ صلاته بتلك النافلة، فالله الله في النوافل.
قال: (ركعتان قبل الظهر) فهل سنة الظهر ركعتان قبلها، أم أربع؟ وكيف نجمع بين هذا الحديث وحديث أم حبيبة عند مسلم قالت: {قال صلى الله عليه وسلم: من صلى في يومه وليلته ثنتي عشرة ركعة بنى الله له قصراً في الجنة، ثم قالت وهي تحسب، أربع ركعات قبل الظهر} وحديث عائشة عند الخمسة، والخمسة هم: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، وأحمد، قالت: {قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر، وأربع ركعات بعدها حرمه الله على النار} فكيف يقول ابن عمر: ركعتان قبل الظهر، وأم حبيبة تقول: أربع قبل الظهر، وعائشة تقول: أربع، فتحقيق المسألة أن يقال:
الذي داوم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته ركعتان، قبل الظهر، وربما نشط عليه الصلاة والسلام فصلى أربع ركعات قبل الظهر، أما سنته الدائمة فإنه داوم على ركعتين.
فسنة الظهر ركعتان قبلها ولك أن تزيد، بل أكثر السنن التي يزاد فيها أربع ركعات قبل الظهر، لحديث أم حبيبة: {ثنتي عشرة ركعة} لأنها قالت: {أربع قبل الظهر وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء وركعتان قبل الفجر} وقالت عائشة: {قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى أربع ركعات قبل الظهر وأربع ركعات بعدها حرمه الله على النار}.
إذاً فالذي داوم عليه صلى الله عليه وسلم ركعتان قبل الظهر، وربما زاد عليه الصلاة والسلام، وأورد صاحب المنتقى، أبو البركات ابن تيمية، هذا جد شيخ الإسلام ابن تيمية، فـ ابن تيمية اسمه أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام، فـ عبد السلام هذا هو صاحب المنتقى.
وأبو شيخ الإسلام كان عالماً، ولكن يقول الذهبي: جده كان قمراً، وأبوه كان نجماً، وابن تيمية شمس، فمحونا آية الليل وجعلنا آيه النهار مبصرة، فلذلك كانوا علماء.
داهية الدواهي والطامة الكبرى أنساهم جميعاً، فاقتضى أننا إذا أتينا نعرف الجد نقول: صاحب المنتقى أبو البركات، جد شيخ الإسلام ابن تيمية، يقول جده: ثبت أن الرسول عليه الصلاة والسلام دخل إلى المسجد في الظهر وصلى ولم يتنفل، شغل بعض الأوقات عليه الصلاة والسلام، فدخل وإذا الوقت قد حان، فقال لـ بلال: أقم وقام بلال فأقام الصلاة ودخل في الفريضة عليه الصلاة والسلام، وابن تيمية يرى أن من فاتته النافلة قبل صلاة الظهر فله أن يقضيها بعد صلاة الظهر، على قاعدة قضاء النوافل، وسوف نأتي بها إن شاء الله، لكن ابن القيم يقول في زاد المعاد: كان عليه الصلاة والسلام يحافظ على أربعين ركعة، ليلاً ونهاراً، ومن داوم على قرع الباب أربعين مرة يوشك أن يفتح له، فالاستئذان ثلاث مرات، فإذا لم يفتح لك فعد، فكيف بك وأنت تقرع باب الواحد الأحد أربعين مرة.
والأربعون التي داوم عليها صلى الله عليه وسلم: فالفرائض سبع عشرة ركعة، وغيرها العشر التي ذكرها ابن عمر من الرواتب، فمجموعها سبع وعشرون، وثلاث عشرة ركعة في صلاة الليل، ففي رواية أنها ثلاث عشرة ركعة، فهذه أربعون ركعة كان يصليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن الركعة الواحدة تعادل آلاف الآلاف من ركعات كثير من الناس.
وأتى بعده صلى الله عليه وسلم قوم غلو في العبادة فأسرفوا وأكثروا على أنفسهم، فكان يصلي الواحد منهم ثمانمائة ركعة.
ولذلك لامهم كثير من أهل العلم، وقالوا: أين سنة النبي صلى الله عليه وسلم في الاقتصاد في العبادة وفي الحسن؟ ابن القيم يقول في مدارج السالكين -المسألة ليست كثرة-: وجرب على نفسك إذا صليت ركعتين، وأحضرت قلبك فيها وخشعت وخضعت، كيف أنها تكون شاقة عليك، لا تستطيع أن تأتي بركعتين بعدها، لكن إذا بقيت المسألة سجود وركوع وقيام بلا خشوع، وقلب الإنسان في السوق أو في الدكان أو في الفصل، فإنه يستطيع أن يأتي بمائة ركعة، فهي أبسط من الماء.
قال: وجرب إذا أخذت المصحف وقرأته وألزمت نفسك أن تتبع كل آية، وتتدبر ماذا يراد من مقاصدها، أو كما قال، كيف تكون عليك الختمة شاقة!! لا تختم القرآن إلا بكل كلفة! أما إذا بقي الإنسان يقرأ هذرمة فإنه يختم والحمد لله في أيام معدودة ويعود ليقرأ من جديد.
فالمسألة بالحسن والتدبر والتعقل والفقه في الدين، وكان عليه الصلاة والسلام يصلي ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها، وربما قضى عليه الصلاة والسلام النوافل التي تفوته.
والسؤال الذي نطرحه الآن: من فاتته نافلة الظهر حتى أتت صلاة العصر فهل له أن يصلي النافلة بعد صلاة العصر، مع أن بعد صلاة العصر إلى المغرب وقت نهي، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس}؟
والصحيح في هذه المسألة إن شاء الله أن من فاتته سنة الظهر أو بعض النوافل، فله أن يصليها بعد العصر، فإنها من ذوات الأسباب.
ثانياً: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قضى النافلة.
ثالثاً: أن من تعود على ترك النوافل، ربما خدشت فريضته، فكان عليه أن يقضي النافلة في هذا الوقت، وإنما نهى صلى الله عليه وسلم عن تحري الصلاة وهذا ليس من التحري، لكن لا يداوم الإنسان على صلاة النافلة بعد العصر لكن يفعلها مرة.
وقد فاتت النافلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى ركعتين بعد العصر، فسأله بعض الصحابة عن هاتين الركعتين، قال: {شغلني وفد عبد القيس عن الركعتين بعد صلاة الظهر فقضيتهما الآن} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، فهذا الأمر وارد.