للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[أمراض القلوب]

ولـ ابن تيمية في أول المجلد العاشر من فتاويه رسالة القاعدة العراقية في الأعمال القلبية تحدث بحديث كأنه الشهد إذا انسل أو كأنه الماء الزلال أو كأنه النسيم العليل أو كأنه الحب إذا سرى من قلب محب إلى قلب محب، وفصل المسألة وقال: القلوب تمرض أعظم من مرض الأبدان، لكن بعض الناس يمرض قلبه فلا يحس إلا إذا أصابه زكام أو حرارة أو التهاب لأن حياته حياة الأجسام أما القلب فميت.

يقول المتنبي:

من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام

إذا مات الميت وأتيت تطعنه بالخنجر أو تفصل من يده فماذا يضره؟ يقول عبد الله بن الزبير لأمه أسماء العظيمة الرائدة المربية: يا أماه! ما علي من الحجاج إذا قتلني -فالقتل سنة وشهادة- لكن أخاف أن أقطع ويمثل بي، فضحكت وتبسمت تبسم الشجاعة التي تجيد تربية الأبناء، وقالت: وما عليك، لا يضر الشاة سلخها بعد ذبحها، فاستبسل بنفسه وقتل، ورفع على مشنقة الموت وأصبح عالياً كأنه العلم، وسفل الذين عادوه في الله عز وجل.

فمرض القلوب خطير وله أسباب:

السبب الأول: وهو أفتكها وأعظمها وهو الذي يدمر البيوت والدور والعمار والقصور والشعوب والأمم، ويهلك المجتمعات، ويجعل الذكي غبياً، والوجيه متأخراً، والرائد متخلفاً، والمحب مكروهاً، والمقرب مطروداً، والمنعم عليه بائساً، والغني فقيراً، والكبير صغيراً، إنها الذنوب والخطايا أعاذنا الله وإياكم من الذنوب والخطايا، وأول مصائب الذنوب والخطايا: أنها تميت القلب، وهذا أعظم مرض فيصبح لا يشعر ولا يحس، تفوته صلاة الجماعة أمر عادي لكن لو فاتته عشرة ريال لأقام الدنيا وأقعدها وبحث وقلب البيت ظهراً على عقب، أما مصيبة الدين فلا يحس بها؛ لأنه مات قلبه، فتراه لا يقرأ في اليوم في الأربع والعشرين ساعة شيئاً من القرآن، ولكن الأخبار اليومية لا تفوته، أبداً، ودرجات الحرارة والصيدليات المناوبة لا تفوته أما سورة الأنعام والأعراف وطه وهذه الأسس والمبادئ التي أتى بها محمد عليه الصلاة والسلام من فوق سبع سماوات، فيقول: نقرأ يوم الجمعة إن شاء الله إذا فرغنا أو في رمضان أو إذا مات أحد الجيران.

إن اليوم الذي يمر عليك دون أن تقرأ فيه قرآناً هو من أشد الأيام بؤساً عليك، وقد خسرته من عمرك، تمر علينا الساعات ولا نسبح ولا نهلل إلا من رحم الله أنا أتكلم عن القاصرين، ولكن إذا أتى الغروب فلا نعد الساعات التي فاتتنا بلا تسبيح، لكن كم تكلمنا من هذر ومذر وشذر؟ ومن هذا الكلام الذي ليس تحته طائل في الأسعار والأشجار والأمطار، وتزوج فلان وطلق فلان، وأحاديث مشبوهة كأن عليها ظلام بهيم فنشكو حالنا إلى الله، فأعظم الأسباب في أمراض القلوب المعاصي.

السبب الثاني: كثرة المباحات، وقد ذكرها ابن القيم في مدارج السالكين بكلام عطر صدي شجي، والمباحات إذا كثرت أبطلت الإحساس في القلب.

ما هي المباحات؟

كثرة النوم، وكثرة الأكل، وكثرة الخلطة في الناس، وكثرة المزاح، وكثرة الكلام، فإذا زادت هذه كلها عن حدها؛ أتتك كآبة وضيق وقسا قلبك من هذه الكلمات والأمور الواردة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>