للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[فضائل سورة البقرة]

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أمَّا بَعْد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته:

نقرأ في هذه الليلة المباركة أوائل سورة البقرة؛ تلكم السورة العظيمة، التي هي أكبر سورة في القرآن.

يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: بسم الله الرحمن الرحيم {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة:١ - ٥].

نقل القرطبي وغيره أن في سورة البقرة ألف أمر وألف نهي وألف خبر.

وسورة البقرة لا تقرأ في بيت إلا ذهب منه الشيطان وطرد منه ودحر.

وسورة البقرة وآل عمران كما صح عنه صلى الله عليه وسلم في حديث أبي أمامة في مسلم وغيره أنه قال: {اقرءوا الزهراوين، البقرة وآل عمران، فإنهما تأتيان كغمامتين أو غيايتين، أو كفرقان من طير صواف تظلان صاحبهما يوم القيامة}.

وكان الرجل من الصحابة -كما قال أنس وصح ذلك عنه-: [[إذا حفظ سورة البقرة، وفي لفظ: إذا حفظ البقرة وآل عمران جد فينا]] أي: أصبح سيداً عظيماً مقدماً إماماً.

وكان الرسول عليه الصلاة والسلام إذا أراد أن يؤمر على أصحابه أميراً في سرية سألهم: أيكم أكثر أخذاً للقرآن؟ فيخبرونه، فقال له رجل لما قال له صلى الله عليه وسلم {ماذا تحفظ؟ قال: أحفظ سورة كذا وكذا وسورة البقرة.

قال صلى الله عليه وسلم: أتحفظ سورة البقرة؟ قال: إي والله يا رسول الله.

قال: اذهب فأنت أميرهم}

ولذلك شرف المسلم بشرف ما يحمل من قرآن ويعمل به، لأن العمل بهذا القرآن هو حفظ للقرآن، وليس حفظه في الصدور وتضييعه في العمل.

ولما أتى عليه الصلاة والسلام إلى الشهداء في معركة أحد -رضي الله عنهم وأرضاهم، وأنزلهم فسيح جناته، وجمعنا بهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر- قال وهو يجمع الاثنين والثلاثة والأربعة في قبر واحد: {أيهم أكثر أخذاً للقرآن؟} فإذا أشاروا إلى رجل قدمه تجاه القبلة لشرف القرآن الذي في صدره، وأتى صلى الله عليه وسلم ليدفن رجلاً من الأنصار فقال: {رحمك الله، إنك كنت أواهاً تالياً لكتاب الله} وهذا شرف عظيم.

وقد جاء في الترمذي بسند حسن، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، فإن البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله الشيطان}.

ووجد أن بعض الصالحين تأذى من مشاكلة الجان في داره، فأوصاه العلماء بقراءة سورة البقرة، فلما قرأها ذهبوا بإذنه سُبحَانَهُ وَتَعَالى، فهم لا يلجئون إلى بيت فيه سورة البقرة، إنما يأتون إلى بيت فيه الغناء الماجن، والمجلة الخليعة، والكلمة النابية، والفاحشة والمعاصي، أما بيوت أهل القرآن فحرام على الجان أن يدخلوها، والسحرة يغاظون إذا قرأت سورة البقرة، والكهنة يموتون من سورة البقرة، والمشعوذون يغضبون إذا قرأت عليهم سورة البقرة؛ لأنهم من حزب إبليس وحزبه في النار.

يقول عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم من حديث أبي أمامة: {اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه، اقرءوا الزهراوين فإنهما يأتيان يوم القيامة كغيايتين} الغياية والغمامة والغبابة قطعتان من كُبريات السحب، يوم يشتد الحر، وتتطاير الصحف، ويدنو الكرب من النفوس، وتدنو الشمس من الرءوس، ولا ظل إلا من أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، فيأتي الذي يتلو سورة البقرة وآل عمران، سواء في المصحف أو غيباً، ويتلوها دائماً وأبداً، يأتي وعليه سحابتان بإذن الله الواحد الأحد، فتغطيه في الموقف، حتى يقضي الله بين الناس.

أو تأتيان كفرقان من طير صواف كل آية بطير، تظلانه من الكرب ومن حرارة الشمس حتى يقضي الله بين الناس، ولا ظل هناك إلا بالعمل، فالمتحابون بجلال الله يستظلون بعرشه سُبحَانَهُ وَتَعَالى، فقد جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة أن الله عز وجل يقول يوم القيامة: {أين المتحابون في جلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي} وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {كل في ظل صدقته حتى يقضى بين الناس} فأنت في ظل صدقتك، فأكثر من الصدقة أو أقلل، فمنهم من تأتي صدقته كالكهف، ومنهم من تأتي كالجبل، ومنهم من تأتي كالغمامة فأنت ما بررت إلا بنفسك، وما نفعت إلا نفسك، وإن أسأت فعليها وما ربك بظلام للعبيد.

<<  <  ج:
ص:  >  >>